ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:07 ص]ـ
281
ولا حاجة إلى أن نورد ما قد استوفى غيرنا القول فيه في كتب معروفة، وكان مشهورا في كتاب موضوع وإنما الغرض تبيين ما يظن أنه يخفى على أكثر الناس، مما قد وضعه واضع، أو ما لم يهتد طالبه إلى استخراجه من مواضعه.
286
وإذا صحت حكايته عنه فقد خالف هذان الرجلان بطليموس فيما ذهب إليه، وكفى بذلك عليهما سبة إذ كان الرجل الذي لا يرتقي إلى درجته أحد إلا بما أسسه وبينه في هذا العلم، وكونه ممن لا يجازف في القول ولا يتبع الهوى فيما يدون ويؤلف، كما قال آخر في كتاب المجسطي وإذا كان هذا آخر ما كان ينبغي لنا أن نورده في هذا العلم بقدر ما أعاننا الزمن على / وجود ما ينبغي أن نحده واستخراج ما ينبغي أن نستخرجه، ونحسب ما يكون ما أوردناه في هذا العلم نافعا فقط من غير أن نلتمس التكثر والافتخار فقد يليق ويحسن أن يكون هذا آخر الكتاب.
291
وقد أوضح ذلك جميعه بطليموس في كتابه المعروف بالاقتصاص.
فأما المجسطي فلم يذكر فيه غير قدر الشمس والقمر والأرض
296
وليس في الآلات ما يسمع منه جميع النغم الخمس عشرة إلا الآلة المركب عليها خمسة عشر وترا وتجعل الحوامل فيها على مواضع النسب المذكورة في الأبعاد وهي المسماة بالقانون.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:08 ص]ـ
300
يقال إن أفلاطون لما أسن طعن عليه بعض تلامذته في شيء من آرائه وخالف ما ذهب إليه.
وربما حكوا أن ذلك هو أرسطوطاليس لقوله في بعض كتبه: إنا لنحب الحق ونحب أفلاطون فإذا اختلفا كنا مع الحق، وذلك أنه خالفه في أكثر آرائه، ولما بلغ ذلك أفلاطون خرج بذلك التلميذ وبغيره من تلاميذه إلى غيضة مسبعة ثم / أخرج آلة كان قد أعدها وصوت بها فظهر منها نوع من الألحان شج لم يسمع أشجى منه وأنه اجتمع لسماعه كل سبع كان في تلك الغيضة.
ثم أقبل على التلميذ المخالف فقال: قد جمعت هذه السباع بضعف عقلي ففرقها بوفور عقلك، فعلم التلميذ ما بلغه عنه وتنصل إليه منه، واعترف له بالتقدم في الفضيلة ورغب إليه في صرف تلك السباع بأسرها فصوت في تلك الآلة أصواتا مهولة مخالفة لتلك الأصوات إلى أن افترقت بأسرها.
وهذا خبر لا يعلم أحق هو أم باطل، لكنه من الممكن أن يوجد في الألحان الموسيقية ما يفعل في سائر القوى النفسانية البشرية فضلا عن الحيوانية أفعالا عجيبة على حسب إرادة صاحب اللحن.
303
ولا يجب أن يتلقى هذا الحديث وأمثاله بالإنكار إذ كان القياس يعضده والتجربة تشهد بصحته، وذلك أن النفس حاكمة على البدن، فإذا اشتغلت بما يليها تخلت عن تدبير القوى الأخرى، ألا ترى ما يعرض لمن يشغل فكره في أمر من الأمور النفسانية كيف يلهو عن الغذاء وربما كان ذلك المدة الطويلة التي تضر مثلها بجسمه ولو لم تكن نفسه مشتغلة عن تدبير جسمه لم يحس بشيء من ذلك.
304
إذ ليس في قدرة صاحب صناعة أن يبرهن على مبادئها ولا يبحث عن أصولها، فكما أن المهندس لا يلزمه البحث عن النقطة وإقامة الدليل على أنها لا جزء لها والنجار لا يلزمه البحث عن كون الخشب وسببه فكذلك الطبيب لا يلزمه أن ينظر في الأركان وهل هي أربعة أم أكثر من ذلك بل يتسلم علم ذلك من الطبيعي
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:08 ص]ـ
320
إن من البين أن في نوع الإنسان قوة ما زائدة على القوى التي ذكرت للنفس الحيوانية، وهي التي بها تدرك الكليات العامة، وذلك أن الإنسان قد يدرك بالحس / أن جسمين بعينهما لا يحلان في مكان واحد فيمنع ذلك تصديقه بأن كل جسمين لا يحلان في مكان واحد ويشاهد كلا منهما أعظم من جزئه، ويمكنه على مثال ذلك أن يستنبط من العلم بالمقدمات العلم بالنتائج ويؤلف الأقيسة ويفرق بين ما هو برهان مؤد إلى اليقين وما ليس كذلك، وما يوقع سكون النفس وغير ذلك من أنحاء التصديقات كالنتائج الشعرية والسفسطائية وغير ذلك. ويقتدر على استنباط الصنائع الخفية وبالجملة سائر الأشياء الإنسانية التي يحجب عنها كل حيوان غير الإنسان كالعلوم الرياضية والعلوم الإلهية وسائر الصنائع النظرية فيميز بينهما بفكرة وروية وتأمل، ويعلم من ذلك أن بالإنسان قوة زائدة على قوى الحيوان بلغ بها إلى هذا الحال ويسمى النطق، فنقول: إن هذه القوة وإن استعانت بالقوى الحيوانية في بعض الأحيان فإنها غير محتاجة إليها ولا تفتقر إلى
¥