تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالإبطال، ولذلك وجد الباطنية مرتعا خصبا في نحلتهم، فصار إظهار شعارهم ملجأ كل زنديق دعي يريد هدم الإسلام، فيظهر الولاء لآل البيت، رضي الله عنهم، ليتذرع بذلك إلى نشر إفكه بين أتباع يغلب عليهم الجهل الفاحش، فضلا عن خفة وسذاجة العقول التي تقبل تلك الأقوال المتهافتة التي يغلب عليها الكذب في النقل والتناقض في العقل. فليس لها من صحة النقل أو صراحة العقل نصيب.

وهكذا كل من غلا في متبوع أو معبود، فإنه لا بد أن يظهر له من نقصه البشري ما يعود على أصله بالإبطال، فيظهر له من فساد تصوره ما قد يحمله على الجفاء الشديد في مقابل غلوه الشديد ابتداء، لا سيما إن لم يهتد إلى الطريقة الشرعية: طريقة الوسطية بين الإفراط غلوا والتفريط جفاء.

والغلاة يتوصلون إلى الأنبياء عليهم السلام بأنواع من الأذى، إذ يكلفونهم ما لا يقدرون عليه من قضاء الحاجات التي لا يقضيها إلا الباري، عز وجل، بكلماته التكوينيات النافذات.

وأهل الحق من أتباع الرسالات هم أحرص الناس على تحرير مقالات الرسل، فينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، فاتباعهم: حقيقة لا ادعاء، أعمال لا أقوال، وأصح الأقوال والأعمال ما جاء به الوحي، فمن كان له منه النصيب الأعظم كان له من الاستقامة الحظ الأوفر، على حد قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فالاستقامة لا تكون إلا على حد المأمور الشرعي لا المأمور العقلي أو الذوقي الذي يستحسن ويستقبح بمعزل عن الوحي، وشرع الأنبياء لا يتوصل إلى حده إلا بتحري النقل الصحيح، فذلك: الدليل الصحيح، الموافق للعقل الصريح، فذلك: الاستدلال الصحيح، ولا عقل أصح من عقول أتباع الرسل الذين شاهدوا التنزيل فأفادهم ذلك عقل معانيه، فلهم من تركة النبوة أجل قدر، وللسائرين على طريقتهم في تحري أقوالهم، والانتصار لطريقتهم على حد الاتباع لا الابتداع، لهم من ذلك ما تحصل به النجاة في الدارين.

والفتنة في هذا الباب عظيمة، إذ إجابة دعاء المضطرين على غير طريقة المرسلين من الدعاء الشرعي، استدراجا من الباري، عز وجل، أو إجابة لدعوة مضطر لم يعلم من سنن الدعاء إلا ما نشأ عليه من الدعاء الشركي، مع كونه يظنه عين الصلاح، فيقوم في حقه العذر، على تفصيل في ذلك، فيدعو بما يظنه قربه، وهو عين المعصية، ويقوم بقلبه من الرجاء الصادق ما لا يقوم بقلب غيره من الداعين المقلدين لصورته دون حقيقته، وإن كانت فاسدة،، تلك الإجابة مظنة الافتتان بطرائق المشركين والإعراض عن طرائق النبيين، عليهم السلام، لا سيما إن تأخرت الإجابة للداعي على الطريقة الشرعية ابتلاء، وتقدمت الإجابة للداعي على الطريقة الشركية ابتلاء، كما تقدم، فيصير ذلك ذريعة إلى نشر الشرك بالترويج له، إذ لا يمل المستجاب له من قص ما جرى له من الكرامة بإجابة دعائه!، وهي لو تدبر: عين الإهانة!.

ولازم هذه الطريقة: التسوية بين الإيمان والكفر، والتسوية بين الأنبياء الذين جاءوا بأكمل العقائد والشرائع، والكفار الذين ينقضونها نقضا، فيدعى كلاهما من دون الله، عز وجل، بجامع التعظيم، بل ربما تقدم دعاء الولي على دعاء النبي فاستجيب لمن دعا الولي أو توسل بجاهه .... إلخ من صور الشرك أو البدعة ولم يستجب لمن دعا النبي أو توسل به مع كون التوسل بالأنبياء عليهم السلام مما وقع فيه الخلاف والراجح من أقوال المحققين عدم جوازه سدا لذريعة الغلو فيهم ودعائهم من دون الله عز وجل وإن كان الخلاف فيه سائغا، فربما تقدم دعاء الأول على دعاء الثاني فتنة واستدراجا، مع كون كليهما من الشرك الذي لم يبعث الرسل عليهم السلام إلا لنقض معانيه وإزالة مبانيه.

وإلى طرف من حالهم يشير ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"والمقصود أن هؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يسووا بين الأنبياء وغير والأنبياء بل بين الأنبياء والكفار ويطلبون من هذا ما يطلبون من هذا فأي الفريقين أشد تعظيما للأنبياء هؤلاء أو من يوجب تعظيمهم واتباع شريعتهم ويفرق بين الحق الذي جاءوا به وبين غيره ولا ينزل أحدا منزلتهم ولا يشبه بهم من ليس منهم". اهـ

"الرد على البكري"، ص333.

ويقول في موضع تال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير