تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فهذا القول الذي يقوله هذا، (أي: البكري إذ سوى بين دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حد الاستغاثة التي لا تكون إلا بالله، عز وجل، ودعاء الله، عز وجل، الذي أمر به الرسل عليهم السلام على حد الإيجاب ونهوا عن غيره على حد التحريم)، هو مطابق لأحوال هؤلاء المشركين الضالين لكن هذا ليس يقوله مسلم ولا عاقل يتصور ما يقول بل هو من جنس قول النصارى دعاء المسيح دعاء الله لكن أولئك يقولون باعتبار الحلول والاتحاد وأما بدون هذا فهو كلام غير معقول فإن الله تعالى أمر أن يدعى هو ويسأل هو ولم يجعل دعاء أحد من المخلوقين دعاء له بل قد نهى الله تعالى عن دعائه ولو كان هذا حقا لكان من دعا الملائكة والأنبياء دعاء لله فلا يكون مشركا والله تعالى قد جعلهم مشركين وقد قال تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا).

فإن هؤلاء الضالين جعلوا الصالحين مع الله تعالى كالوكيل مع موكله فإذا طلب من الوكيل الدعاء كانت المطالبة للموكل في المعنى لكن هذا ليس من أقوال الموحدين بل هو من أعظم شرك الملحدين والرسول صلى الله عليه وسلم لم يضمن للخلق أن يرزقهم ويحاسبهم ولا يجيب دعاءهم بل هذا كله أخبر أنه لله وحده.

قال تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب).

وقال: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي).

وقال: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).

وقال تعالى: (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون).

فبين تعالى أن التحسب بالله وحده والرغبة إلى الله تعالى وحده وأما الإيتاء فلله والرسول لأن الحلال ما حلله الرسول والحرام ما حرمه الرسول كما قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فالله قد جعل الرسول مبلغا لكلامه الذي هو أمره ونهيه ووعده ووعيده.

وهؤلاء يجعلون الرسل والمشايخ يدبرون العالم بالخلق والزرق وقضاء الحاجات وكشف الكربات وهذا ليس من دين المسلمين بل النصارى تقول هذا في المسيح وحده لشبهة الاتحاد والحلول ولهذا لم يقولوا ذلك في إبراهيم وموسى وغيرهما من الرسل مع أنهم في غاية الجهل في ذلك فإن الآيات التي بعث بها موسى أعظم ولو كان الحلول ممكنا لم يكن للمسيح خاصية توجب اختصاصه بذلك بل موسى أحق بذلك ولهذا خاطبت من خاطبت من علماء النصارى وكنت أتنزل معهم إلى أن أطالبهم بالفرق بين المسيح وغيره من جهة الإلهية فلم يجدوا فرقا بل أبين لهم أن ما جاء به موسى من الآيات أعظم فإن كان هذا حجة في دعوى الإلهية فهو أحق وأما ولادته من غير أب فهو يدل على قدرة الخالق لا أن المخلوق أفضل من غيره". اهـ

"الرد على البكري"، ص350، 351.

فالرسول مبعوث لتقرير التوحيد، وبيان أركانه لتمتثل وحدوده لتصان فلا تنتهك، لا للنيابة عن الله، عز وجل، في رزق العباد وحسابهم وإجابة دعائهم، فذلك من أخص أوصاف الرب، جل وعلا، فلا يصح نقلا أو عقلا، أن يزول ذلك الوصف عن الباري، عز وجل، ليقوم بغيره، ولو على حد الشراكة أو النيابة من باب أولى، إذ فيه اتصاف الأدنى بما لا يليق به من وصف الأعلى، ولازمه فساد أمر الكون، إذ النيابة مظنة العجز، والعجز مظنة الفساد، والرب لا يكون عاجزا لا يقدر على تدبير أمر كونه حتى يلجأ إلى نواب يشاركونه التدبير، ولو برسم النيابة، فإن المنيب لا يستغني عن نائبه، وذلك، أيضا، مما ينزه عنه الرب، إذ وصف الافتقار إلى الغير من أخص أوصاف العبد فرعا عن نقصان تدبيره، فالفساد كائن من الجهتين: من جهة وصف الرب، جل وعلا، بصفات هي من أخص أوصاف العبد، ومن جهة وصف العبد بصفات هي من أخص أوصاف الرب، جل وعلا، فذلك من السفه المنافي للحكمة التي تقتضي وضع الشيء في موضعه، فللرب، جل وعلا، أوصاف كمال استحق بها مقام الربوبية فلا شريك له فيه، وللعبد أوصاف تلائم مقام العبودية، فمن علا بمقام العبودية بوصف العبد بأوصاف الربوبية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير