تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعقل على عصمته واطراده، والعقل قد شهد الحس بخطأه واضطرابه، فما يعقد اليوم على سبيل الجزم، ينقض غدا على سبيل الشك والريب، فأيهما أحق بمنصب الولاية ومقعد الرياسة؟!.

يقول أبو المظفر السمعاني رحمه الله:

"اعلم أن مذهب أهل السنة أن العقل لا يوجب شيئا على أحد، ولا يدفع شيئا عنه، ولا حظ له في تحليل أو تحريم ولا تحسين أو تقبيح، ولو لم يرد السمع ما وجب على أحد شيء، ولا دخلوا في ثواب ولا عقاب واستدلوا على هذا بقوله سبحانه وتعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وبقوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) وقال سبحانه وتعالى حكاية عن الملائكة فيما خاطبوا به أهل النار: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى)، فأقام الحجة عليهم ببعثة الرسل فلو كانت الحجة لازمة بنفس العقل لم تكن بعثة الرسل شرطا لوجوب العقوبة ............. وما أوحش قول من يقول: إنه لا دعوة لأحد من النبيين والمرسلين إلى الإيمان على الحقيقة وأن وجودهم وعدمهم في هذا بمنزلة واحدة ولو لم يكونوا كان وجوب الإيمان على الناس على الجهة التي وجبت عليهم بعد وجودهم، ولا حظ لدعوتهم في هذا، وإنما الحظ لدعوتهم في الشرائع، وفروع العبادات. فقد جعلوا عقولهم دعاة إلى الله ووضعوها موضع الرسل فيما بينهم، ولو قال قائل: لا إله إلا الله عقلي رسول الله، لم يكن مستنكرا عند المتكلمين من جهة المعنى، وظهر فساد قول من سلك هذا المسلك.

ثم نفول، (والكلام لأبي المظفر رحمه الله)، والله الهادي والموفق: إن الله تعالى أسس دينه وبناه على الاتباع وجعل إدراكه وقبوله بالعقل، فمن الدين معقول وغير معقول، والاتباع في جميعه واجب. ومن أهل السنة من قال بلفظ آخر: قال: إن الله لا يعرف بالعقل، ولا يعرف مع عدم العقل، ومعنى هذا: أن الله تعالى هو الذي يعرف العبد ذاته فيعرف الله بالله لا بغيره، لقوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، ولم يقل: ولكن العقل يهدي من يشاء. وقال تعالى: (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) والآيات في هذا المعنى كثيرة". اهـ

بتصرف نقلا عن: "الحجة في بيان المحجة"، (1/ 341_344).

وقد استدرك بعض أهل العلم على قول أبي المظفر رحمه الله: "ولا حظ له في تحليل أو تحريم ولا تحسين أو تقبيح".

إذ لا حظ له في أمر التشريع بتحليل أو تحريم، ولكن له حظا في التحسين والتقبيح فهو يدرك بما أودع فيه من قوى وغرائز: الحسن من القبيح، ولكن ذلك لا يترتب عليه ثواب أو عقاب إلا بالأمر والنهي، وذلك مما لا يتلقى إلا من الوحي الذي بسط القول في تقرير قانون الثواب والعقاب ترغيبا وترهيبا على حد قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

يقول ابن القيم، رحمه الله، في "مدارج السالكين":

"والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل: أنه لا تلازم بينهما وأن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها نافعة وضارة والفرق بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيات ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع قبحه في نفسه بل هو في غاية القبح والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل فالسجود للشيطان والأوثان والكذب والزنا والظلم والفواحش كلها قبيحة في ذاتها والعقاب عليها مشروط بالشرع". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير