الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: كرم مبارك
جزاك الله خيرا، وجعله الله في موازين حسناتك يوم تلقاه، وأسأله تعالى أن يكتب لكم الأجر والمثوبة، اللهم آمين.
ـ[كرم مبارك]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 04:07 م]ـ
(الإمام أحمد والخليفة المعتصم) (2)
لم تنته محنة الإمام أحمد بل بدأت فصولها الأشد والأقسى مع الخليفة الجديد المعتصم ..
ويبدو أن المعتصم لم يتعلم الدرس جيداً
فبرغم إنه لم يكن يعتنق الاعتزال مثل أخيه المأمون ولكنه خاض في الفتنة لوصية أخيه المأمون!
وكذلك فهو لا يرضى أن يقال أن رجلاً من عامة الناس تغلب على خليفة؟!
وقد يقال أنه تغلب على خليفتين المأمون والمعتصم!
وتتدخل هنا حظوظ النفس ووسموم أهل البلاط الفاسدين لكي ينساق المعتصم في قضية هو ليس طرفا فيها إطلاقاً.
لذا كان أول قرار يتخذه كخليفة للمسلمين هو أن يعاد الإمام أحمد إلى بغداد ويسجن، ليس في سجنه القديم بل يلقى في سجن ضيق مظلم مقيداً في يديه ورجليه، فنذ الأمر مما أصابه بمرض شديد في رمضان فنقلوه إلى سجن أوسع مع عامة السجناء
كان المعتصم من أكثر الخلفاء العباسيين هيبة وشجاعة وقوة وهمة.
قال الذهبي: كان المعتصم من أعظم الخلفاء وأهيبهم لولا ما شان سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن.
وقال نفطويه و الصولي: للمعتصم مناقب وله محاسن وكلمات فصيحة وشعر لا بأس به غير أنه إذا أغضب لا يبالي من قتل، وكان ذا قوة عظيمة.
لذا فقد سقط المعتصم - رحمه الله - في فخ الفتنة وتلوثت يده بها، وما كان ينبغي لرجل مثله وعلى قدره وهيبته أن يقع! ..
فقد كانت وصية المأمون عزيزة عليه وواجبة التنفيذ لحبه الشديد له يوم أن فضله على ابنه في الخلافة ..
وكذلك وجود رأس الفتنة أحمد بن أبي داود وهو من جلسائه و كان ينفث في أوار الفتنة ويشعل غضب المعتصم بين حين وآخر ويصد عن أي عفو قد يصدر منه
ولم يترك أهل الفتنة الإمام أحمد حتى في سجنه ليرتاح
بل كلما سنحت لهم الفرصة في السجن زاروه ليناظروه فلعله قد ضعف، فيأخذوا منه كلمة يطيرون بها شرقاً وغرباً.
ولكن الإمام صابر محتسب، يناظرهم ويناقشهم وتعلو حجته حججهم وكلما حاججهم وتغلب عليهم زادوا في تعذيبه وضيقوا عليه سجنه وشدوا في قيوده!! حتى أصبح في رجليه أربعة أقياد!!
وبعد أن يئسوا أحضروه إلى المعتصم ليتخلصوا منه فدعوا إلى مناظرة علنية بينهم وبينه أمام المعتصم نفسه.
لعلمهم أن المعتصم إذا غضب لا يبالي من قتل!
فكانت تلك القصة التي حكى عنها الإمام أحمد بنفسه وذكرها ابنه صالح في كتابه قائلاً:
قال أبي:
" فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان أخرجت
وجيء بدابة فأركبت وعلي الأقياد ما معي من يمسكني، فكدت غير مرة أن أخر على وجهي لثقل القيود
فجيء بي إلى دار المعتصم فأدخلت حجرة ثم أدخلت بيتا وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج
فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا أنا بإناء فيه ماء وطست موضوع فتوضأت وصليت.
فلما كان من الغد أخرجت تكتي وشددت بها الأقياد أحملها وعطفت سراويلي
فجاء رسول المعتصم فقال أجب .. فأخذ بيدي وأدخلني عليه والتكة في يدي أحمل بها الأقياد، وإذا هو جالس وأحمد بن أبي دؤاد حاضر , وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه
قال صالح: قال أبي:
قال المعتصم: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك
ثم قال لهم: ناظروه وكلموه
فقال: ما تقول في القرآن؟
قلت: ما تقول أنت في علم الله؟
فسكت، فقال لي بعضهم: أليس قال الله تعالى (الله خالق كل شيء) والقرآن أليس شيئا؟
فقلت: قال الله (تدمر كل شيء) فدمرت ما أراد الله. فقال بعضهم: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) أفيكون محدثا إلا مخلوقا؟
فقلت: قال الله (ص والقرآن ذي الذكر) فالذكر هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولام.
وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين (إن الله خلق الذكر) فقلت: هذا لفظ خطأ حدثنا غير واحد (إن الله كتب الذكر). واحتجوا بحديث ابن مسعود: ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي.
فقلت: إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن.
قال صالح: وجعل ابن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب.
¥