تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والناظر في الفتوحات الإسلامية والفتوحات الصليبية، إن صح التعبير!، بعين الإنصاف، يجد البون شاسعا بين جماعة إنسانية قد أعاد الوحي صياغة أفكارها وتصوراتها، فكانت معاركها فتوحات رحمة بالمخالف قبل الموافق، فبجلال سيفها قهر أعداء الرسالات، وبجمال سمتها أقبل أهل البلاد المفتوحة على اعتناق الدين الخاتم، كما جرى في مصر، على سبيل المثال، وهو أمر ينكره رءوس النصارى من أرباب الجحود ونكران الجميل ويوافقهم عليه كثير من أتباعهم فضلا عن العلمانيين الذين يقفون دوما في صف أي عدو يقدح في الإسلام، وما عرف القوم، لو أنصفوا، معنى الحرية الدينية، إلا بعد فتح مصر، وقل مثل ذلك في شمال إفريقية، فقد واجه الإسلام مقاومة عنيفة من البربر لما جبلوا عليه من حب الحرية، فكان صراعهم مع الرومان، قبل دخول الإسلام إلى أرضهم هو الصورة النمطية الماثلة في أذهانهم لأي وافد جديد، فاستغرق الأمر سنين عديدة حتى عرفوا حقيقة هذا الدين، لا سيما في ولاية إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، رحمه الله، والي الخليفة المجدد: عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فقد كان على طريقة موليه: "إن الله أرسل محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا"، فعني بنشر الإسلام وترسيخه في قلوب البربر، وكان من أولئك جند الفتح الذي خاض أول صراع مع أوروبا في طرفها الغربي شمال المتوسط في الجزيرة الأندلسية، فتكرر الأمر إذ رأى الإسبان من عدل الفاتحين ما أنساهم جور الظالمين من القوط، وذلك أمر أشار إليه حتى المتعصبون من مؤرخي الكنيسة، وامتد الفتح إلى جنوب فرنسا فذلك أول لقاء بين فرنسا والمسلمين، وكان ما كان من ارتداد الفتح بعد نكبة بلاط الشهداء، واستمر الوجود الإسلامي في جنوب فرنسا حينا، حتى سقطت مدينة أربونة بعد نحو خمسين عاما من عبور المسلمين إلى الجزيرة الأيبيرية، ولم ينس الفرنسيون هذا اللقاء حتى عبروا بدورهم إلى جنوب المتوسط بعد ذلك بقرون، فلم يكن عبورهم بنحو نصف مليون جندي كما يقول أحد المستشرقين الفرنسيين من أجل نبيذ أو زيتون أو صحاري الجزائر وإنما كان حائط صد متقدم خوفا من بلاط شهداء أو: "بواتييه" جديدة!، وليس ثم وجه مقارنة بين ما حمله أهل الجنوب إلى أهل الشمال من قيم الدين والأخلاق فضلا عن صور المدنية التي عرفتها أوروبا لأول مرة بعد عبور المسلمين إليها واستمرت حتى بعد سقوط غرناطة فكان الموريسكيون بقايا الإسلام في الجزيرة أفضل طبقات المجتمع، ولم يشفع لهم ذلك عند نصارى إسبانيا فكان ما قد علم من أمر محاكم التفتيش، فليس ثم وجه مقارنة بين الأثر الحضاري الذي أحدثه الإسلام في أوروبا حتى أظهر بعض المنصفين من الأوروبيين عموما والإسبان خصوصا وقليل ما هم!، أظهروا أسفهم لغروب شمس الإسلام من الأندلس، والأثر الذي أحدثته فرنسا في الجزائر، من إبادة جماعية لقبائل بأكملها، وسرقات ذكر بعض المؤرخين المعاصرين أنها طالت حلي النساء بقطع أيديهن وآذانهن فكانت الحلي تعرض للبيع ممتزجة ببقايا آدمية!، وأخيرا تفجيرات نووية من باب التجربة، وانتقاء عينات من الشباب الجزائري لدراسة أثر الإشعاعات النووية على الأجساد البشرية، كما ذكر ذلك الشيخ شنافي محمد أحد ضحايا هذه التجارب، والذي لا زال يذكر لحظات اختطاف فئام من شباب الجزائر العاصمة كان هو أحدهم، واقتيادهم إلى السوق وانتقاء بعضهم وترحيلهم إلى معسكرات اعتقال وسخرة في منطقة رافان، والعمل الشاق فيها في الحفر لمدة ثلاثة أشهر، ثم لحظة الانفجار، وإعادتهم إلى العاصمة مع التهديد بالقتل لكل من يذكر شيئا عن تلك التفجيرات، ثم ظهور آثارها على جسده لاحقا، وقد عرضت الجزيرة في نفس السياق لقاء مع أحد الإخوة الجزائريين من ولاية برج بوعريريج ويدعى عمار بو جلال، وقد قضى خدمته العسكرية في تلك المنطقة في أواخر الثمانينيات، فأصيب بأمراض وتشوهات خطيرة رغم مرور نحو ثلاثين سنة على إجراء تلك التجارب، ولم يكن يعرف شيئا لا هو ولا أحد من المحيطين به عن تلك التفجيرات، وهو اليوم يعاني من أمراض مزمنة فضلا عن خوضه رحلة علاجية قاسية في ظل ظروف مادية متردية، والأخطر منها الظروف النفسية إذ أحدثت له تلك التشوهات حرجا عظيما، مع أن المفترض أن يكون صاحب الابتلاء محل عناية لا سخرية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير