تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ينكسه فيرى البدعة سنة , والسنة بدعة. فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا , واتبعوا الرئاسات والشهوات. وهذه الآيات فيهم إلي قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} الأعراف 175 _ 176. فهذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه". اهـ

وذلك مسلك علماء بني إسرائيل من المغضوب عليهم، وقد سار عليه كل أصحاب المقالات الباطلة، فلا تكاد تجد ملة من الملل، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، تخلو من التحالف المشبوه بين رجال الدين الذين اشتروا الدنيا بالدين ورجال السياسة الذين لا يرضون إلا بما يوافق شهواتهم، فضلالهم البارز إنما يكون في جانب العمل، فتطغى قواهم الشهوانية على قواهم العقلية، بخلاف الأولين فضلالهم، وإن شمل العمل فما حملهم عليه إلا شهوات نفوسهم، إلا أن الجانب الأبرز فيه هو الفساد العلمي بالشبهات التي يلقيها الشيطان في قلوبهم فتصادف محالا قابلة لها، إذ نازع الشر النفساني قد تمكن منها، فصادفت الشبهة شهوة، كما تقدم، فرأينا التحالف المشبوه بين يهود والرومان الوثنيين سعيا في قتل المسيح عليه السلام، ورأينا التحالف المشبوه بين الكنيسة والدولة الرومانية، فارتضت الكنيسة أن تبدل دين المسيح إرضاء لهوى قسطنطين، وكانت الكنيسة على مر العصور، وتاريخ أوروبا خير شاهد على ذلك، شريكة السياسة في الجناية على الأمم، فالأولى قد استرقت أبدانهم بالإقطاع، والثانية قد استرقت أديانهم بأوهام الخلاص بشراء صكوك الغفران، فضلا عن استرقاقها الأبدان أيضا سخرة في ضياع وإقطاعيات الكنيسة التي تتشح برداء الزهد والعفة زورا، ولعل فضائحها المتتالية لا سيما في زماننا قد أظهرت طرفا من فساد طريقتها، وما خفي كان أعظم!، وقد كان ذلك التحالف المشبوه في أوروبا قبل ظهور العلمانية وقودا فاعلا في إزالة رسوم الدين، ولو كانت دارسة، فاستبدلت أوروبا الإلحاد بأوهام الكنيسة، وأقصت ملوك الجور، وصيرت السلطان لهوى الجماعة، بعد أن كان لهوى الملك، فمجالسها التشريعية تسن من القوانين ما يمليه العقل الجمعي لأمم قد أقصت الدين، وصيرت اللذة الآنية غاية، فماذا ينتظر من عقل هذا وصفه؟!، والمسلك نفسه قد سرى إلى الأمة الخاتمة، وإن عصمت رسالتها من التبديل الذي لم تسلم منه الرسالات السابقة، فقد ظهر فيها فئام من علماء السوء تحالفوا، أيضا، مع ملوك الجور، لتبرير سقطاتهم، وربما فضائحهم، والتغطية على جرائمهم، وذلك ما فتن، أيضا، العلمانيين، الذين قاسوا هذا الوضع على وضع أوروبا قبل الثورة على الكنيسة، فظنوا الرسالة الخاتمة من جنس أوهام الكهنوت لمجرد أن فئاما من الضلال قد حصلوا جملة من علومها وتصدروا للإفتاء، وهو في حقيقته إفناء للأديان، وشتان الرسالة الخاتمة، والرسالات المحرفة فقياس الأولى على الثانية قياس زائغ منحرف يروم إبطال الدين بالكلية وإن ادعى ما ادعى من التجديد والموضوعية ........ إلخ من المصطلحات الرنانة.

وعن فساد هاتين الطبقتين: ملوك الجور وعلماء السوء ويلتحق بهم رهبان الجهل يقول شارح الطحاوية رحمه الله:

"وَإِنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ فِي الْعَالَمِ مِنْ ثَلَاثِ فِرَقٍ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ:

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ ... وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ ... وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير