تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَالْمُلُوكُ الْجَائِرَةُ يَعْتَرِضُونَ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِالسِّيَاسَاتِ الْجَائِرَةِ، وَيُعَارِضُونَهَا بِهَا، وَيُقَدِّمُونَهَا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَأَحْبَارُ السُّوءِ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْخَارِجُونَ عَنِ الشَّرِيعَةِ بِآرَائِهِمْ وَأَقْيِسَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَحْرِيمَ مَا أَبَاحَهُ، وَاعْتِبَارَ مَا أَلْغَاهُ، وَإِلْغَاءَ مَا اعْتَبَرَهُ، وَإِطْلَاقَ مَا قَيَّدَهُ، وَتَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالرُّهْبَانُ وَهُمْ جُهَّالُ الْمُتَصَوِّفَةِ، الْمُعْتَرِضُونَ عَلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالشَّرْعِ، بِالْأَذْوَاقِ وَالْمَوَاجِيدِ وَالْخَيَالَاتِ وَالْكُشُوفَاتِ الْبَاطِلَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ شَرْعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَإِبْطَالَ دِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّعَوُّضَ عَنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ بِخُدَعِ الشَّيْطَانِ وَحُظُوظِ النَّفْسِ. فَقَالَ الْأَوَّلُونَ: إِذَا تَعَارَضَتِ السِّيَاسَةُ وَالشَّرْعُ قَدَّمْنَا السِّيَاسَةَ! وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ قَدَّمْنَا الْعَقْلَ! وَقَالَ أَصْحَابُ الذَّوْقِ: إِذَا تَعَارَضَ الذَّوْقُ وَالْكَشْفُ، وَظَاهِرُ الشَّرْعِ قَدَّمْنَا الذَّوْقَ وَالْكَشْفَ". اهـ

"شرح العقيدة الطحاوية"، ص171.

ومن كمال عدل الرب، جل وعلا، أن جعل في مقابل نازع الشر: نازع الخير، فنازع الشر تحركه النفس الأمارة بالسوء، ونازع الخير، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، يحركه الرب، جل وعلا، من فوق عرشه، فالخير إليه، والشر ليس إليه فعلا، وإن خلقه في النفس، فهو وصفها لا وصفه، تعالى أن يوصف بالنقص، فيتفضل على من شاء من عباده بإمداد نازع الخير في قلبه بمادة إيمانية نافعة تقويه، وإضعاف نازع الشر في قلبه فيخنس، ويبتلي من شاء بعدله بضد ذلك فيقوي نازع الشر في نفسه إذ ليست محلا قابلا للإرادات الصالحة، فيضعف نازع الخير في نفسه.

وجعل في مقابل: هاتف الشر الشيطاني، هاتف الخير الملائكي، فإن كان المحل صالحا، قبل آثار لمة الملك، فتولدت في القلب تصورات علمية صحيحة وإرادات عملية صالحة تظهر، كما تقدم، لزوما، على اللسان الناطق والبدن العامل، وإن كان فاسدا وقع الضد من ذلك فقوي نازع الشر بمدد لمة الشيطان، فازداد المحل فسادا على فساد، فتولد من ذلك من فساد التصورات والإرادات ما يظهر أثره، أيضا، على الظاهر الناطق العامل، فالأمر مطرد في كلا الحالين، فإما صلاح للباطن والظاهر فذلك فضل الكريم، جل وعلا، وإما فساد فذلك عدل الحكيم، عز وجل، فهو أعلم حيث يجعل هدايته، كما أنه أعلم حيث يجعل رسالته.

واستعير معنى النزغ الحسي، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، للنزغ المعنوي الذي تحدثه وسوسة الشيطان في القلب، حتى صار ذلك حقيقة عرفية، فلا يكاد يطلق النزغ إلا ويتبادر إلى الذهن معناه القرآني فمعناه اللغوي قد صار عند كثيرين من قبيل الحقيقة المهجورة، فلو سلم بوقوع المجاز في التنزيل، فهو في هذا الموضع مجاز مشتهر، قد فاقت شهرته شهرة الحقيقة اللغوية الأولى، فقدم عليها، كما قرر ذلك أهل الأصول، فالمجاز المشتهر ينزل منزلة الحقيقة العرفية، والحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية، ومن ينكر وقوع المجاز فإنه يقول بأن السياق قد دل ابتداء على إرادة أثر الوسواس في القلب بقرينة التقييد بالشيطان، فالنزغ مادة كلية تقبل الانقسام إلى معان جزئية فتكون حقيقة في النزغ الحسي بقرينة السياق كأن يقال: نزغ فلان فلانا بالسيف، وتكون حقيقة في النزغ المعنوي بقرينة السياق، أيضا، فيقال: نزغ الشيطان فلانا، والسياق، كما تقدم، بتقييده المعنى الكلي ودلالته على معنى جزئي بعينه، أصل في معرفة مراد المتكلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير