تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يستأنس به في تقرير هذا العموم قول سفيان بن عيينة رحمه الله:

"من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان فيه شبه من النصارى". اهـ

يقول شارح الطحاوية، رحمه الله، في معرض بيان أوجه الشبه بين فئام من الإسلاميين الذين ضلوا في العلم أو العمل ومن تقدمنا من أهل الكتابين: اليهود والنصارى:

"وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!». قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: مَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى. فَلِهَذَا تَجِدُ أَكْثَرَ الْمُنْحَرِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ - فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، حَتَّى إنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ يَقْرَءُونَ كُتُبَ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَسْتَحْسِنُونَ طَرِيقَتَهُمْ، وَكَذَا شُيُوخُ الْمُعْتَزِلَةِ يَمِيلُونَ إِلَى الْيَهُودِ وَيُرَجِّحُونَهُمْ عَلَى النَّصَارَى. وَأَكْثَرُ الْمُنْحَرِفِينَ مِنَ الْعُبَّادِ، مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَنَحْوِهِمْ - فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى، وَلِهَذَا يَمِيلُونَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ". اهـ

ويقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان "الصراط المستقيم":

"فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَيَفْعَلُهُ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ فَيَتْرُكُهُ. هَذَا هُوَ طَرِيقُ اللَّهِ وَسَبِيلُهُ وَدِينُهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ. وَهَذَا "الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ" يَشْتَمِلُ عَلَى عِلْمٍ وَعَمَلٍ: عِلْمٌ شَرْعِيٌّ وَعَمَلٌ شَرْعِيٌّ فَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ كَانَ فَاجِرًا وَمَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ ضَالًّا وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ نَقُولَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ وَالنَّصَارَى عَبَدُوا اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْم. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ وَمَنْ فَسَدَ مِنْ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى فَمَنْ دَعَا إلَى الْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ مُضِلًّا وَمَنْ دَعَا إلَى الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ كَانَ مُضِلًّا وَأَضَلُّ مِنْهُمَا مَنْ سَلَكَ فِي الْعِلْمِ طَرِيقَ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ فَيَتَّبِعَ أُمُورًا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَظُنُّهَا عُلُومًا وَهِيَ جَهَالَاتٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ فِي الْعِبَادَةِ طَرِيقَ أَهْلِ الْبِدَعِ. فَيَعْمَلُ أَعْمَالًا تُخَالِفُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ يَظُنُّهَا عِبَادَاتٍ وَهِيَ ضَلَالَاتٌ. فَهَذَا وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْمُنْحَرِفِ الْمُنْتَسِبِ إلَى فِقْهٍ أَوْ فَقْرٍ. يَجْتَمِعُ فِيهِ أَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ وَيَكُونُ مَا يَدْعُو إلَيْهِ فِيهِ بِدَعٌ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ. وَطَرِيقُ اللَّهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِعِلْمِ وَعَمَلٍ يَكُونُ كِلَاهُمَا مُوَافِقًا الشَّرِيعَةَ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير