تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَالسَّالِكُ طَرِيقَ "الْفَقْرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ" إنْ لَمْ يَسْلُكْ بِعِلْمِ يُوَافِقُ الشَّرِيعَةَ وَإِلَّا كَانَ ضَالًّا عَنْ الطَّرِيقِ وَكَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُهُ. وَالسَّالِكُ مِنْ "الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالْكَلَامِ" إنْ لَمْ يُتَابِعْ الشَّرِيعَةَ وَيَعْمَلْ بِعِلْمِهِ وَإِلَّا كَانَ فَاجِرًا ضَالًّا عَنْ الطَّرِيقِ. فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَجِبُ اعْتِمَادُهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ". اهـ

ثم جاء الإطناب بالخبر الثاني على جهة التعريف بالموصولية، فذلك أبلغ من جهة تعليق الفائدة على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وجملة الصلة تقرير لما تقدم من قصر وصف التأله الحق لله، عز وجل، وزيد في المعنى بورود القصر هذه المرة بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء فـ: "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"، فانتفى الحكم عن غيره لانتفاء الوصف، وثبت له، تبارك وتعالى، لثبوت الوصف في حقه فهو الذي خلق وأبدع وصور ودبر ورزق .... إلخ من أفعال الربوبية فلا شريك له فيها، فكذلك وصف ألوهيته، فهو الإله المستحق للإفراد بالتأله على ما اطرد من التلازم الوثيق بين نوعي التوحيد: الربوبية فهي فعل الرب، تبارك وتعالى، والألوهية، فهي فعل العبد.

ثم جاء وصف: "الملك"، فهو وصف جلال مكمل لوصف الجمال بالرحمة العامة والخاصة الذي ذيلت به الآية السابقة، فيكون ذلك جاريا مجرى الاحتراس، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فوصف الجمال لا يدل على الكمال إلا مشفوعا بوصف الجلال، فكماله، عز وجل، بجمال أوصاف الرحمة وجلال أوصاف العزة، والملك منها فهو المتصرف في كونه بما شاء كيف شاء فله مِلك الأعيان، ومُلك الأحوال، ومع تمام ملكه ونفاذ حكمه فلا معقب له، جاء التنزيه بوصفي: القدوس فهو المنزه عن النقص، والسلام فهو السالم من العيب، على جهة الإخبار بالمصدر وإرادة الوصف مبالغة على وزان: محمد عدل، فتأويله: محمد عادل، وإنما صح الإخبار عنه بالمصدر لكمال عدله، فكأنه والعدل شيء واحد، فالأصل أن يخبر عن الذوات وهي أسماء جامدة، بأسماء مشتقة كـ: محمد شجاع، أو مؤولة بالمشتق كـ: محمد أسد على تأويل الأسد، وهو اسم جامد، بأشهر أوصافه، فالفائدة في الخبر إنما تكون بذكر وصف للذات المخبر عنها، ولذلك جعل بعض النحاة الاشتقاق وعدمه معيارا في التفريق بين المبتدأ والخبر إذا اشتبها، فيكون الخبر هو الاسم المشتق لكونه محط الفائدة، على ما قرر النحاة في تعريف الخبر فهو: الجزء المتمم للفائدة، كما نص على ذلك ابن مالك، رحمه الله، في الألفية.

فالسلام: مصدر، والمصدر اسم جنس معنوي ينزل منزلة اسم الجنس المحسوس، فالأصل ألا يخبر به عن ذات، إلا إن أريد به المبالغة، كما تقدم، من تأويله بالسالم من العيب، فذلك من تنزيه الرب، جل وعلا، فدلالته ودلالة اسم القدوس على التنزيه من النقص والعيب: احتراس آخر، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير"، فإن وصف الملك قد يتبادر إلى الذهن منه أن ملكه، جل وعلا، كملك من سواه من ملوك وأمراء الدنيا الذين يقع في أحكامهم وأقضيتهم من الجور ما يقع، لنقص في علمهم وحكمتهم، فلهم من وصف الجلال بالسيف نصيب كحال أغلب المتملكة والمتأمرة برسم الجور، وليس لهم من وصف الجمال علما وحكمة وعدلا نصيب، فباين ملكه، عز وجل، ملكهم، فهو ملك بقدرة نافذة، فذلك من وصف جلاله، تبارك وتعالى، وعلم وحكمة ورحمة وعدل وما شئت من أوصاف الجمال، وذلك، كما تقدم، عين الكمال، فلا يكون: العاجز كاملا فلا بد له من جلال القدرة، ولا يكون الجاهل كاملا فلا بد له من جمال العلم والحكمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير