تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قبول الدعوة، و دافعا لهم ليردوا عن باطلهم بما يستطيعون، فيصيبوا المسلمين بما يكرهون, وقد بيّن الله ـسبحانه ـ ذلك ـ في قوله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم}. سورة الأنعام:108.

فالله ـ سبحانه ـ يمنع أتباع الحق من سب آلهة الباطل المدَّعاة، حتى لا يجترىء اتباع الباطل، فيسبوا الله، وهذا لون من أدب الدعوة أو فقه الدعوة إن شئت.

وليس هذا مجال حديثنا اليوم، إذ أننا لا نتحدث عن الخلاف بين اتباع الحق واتباع الباطل ولكننا نتحدث عن الخلاف بين اتباع الحق وحده، الذين يجب عليهم أن يتخلقوا بأخلاق السلف الصالح ويتأدبوا بأدبهم بالخلاف الذي لا يصل ـ إن شاء الله ـ إلى اصول الدين وإنما هو من فروع الدين أو هو إلى فروعه أقرب، والخلاف في الرأي بين أتباع الحق له أسباب معروفة معروضة فقد يصل إلى مجموعة من العلماء من العلم، ما لم يصل غيرهم والعقول تتفاوت في الفهم وحسن الإستنباط ودقة القياس، وغير ذلك مما يجعل الناس يتفاوتون في الحكم على قضية واحدة، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التفاوت في الفهم حين أمر الناس أن يصلوا العصر في بني قريظة، فصلى بعضهم في الطريق قبل وصوله إلى بني قريظة لأنه فهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد الإسراع في السير نحو بني قريظة وقد تحقق هذا المقصود فلا ضير من الصلاة في وقتها، وأصرّ آخرون ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة تنفيذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين علم الرسول بما فعل هؤلاء وأولئك أقر صلى الله عليه وسلم الجميع على ما فعلوا.

والمهم في الأمر أن هذا الإختلاف في الرأي لم يكن مدعاة لمذمة بعضهم بعضا ولا لإتهام بعضهم لبعض، ولا لإثارة غبار فتنة تفرق بين المسلمين ولا غير ذلك وإنما حدث ما حدث، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم به وانتهى الأمر بذلك، وظلت المودة بين المؤمنين موجودة، والأخوة قائمة بينهم غير مفقودة.

وهذا ما نعنيه بأدب الخلاف، فلم يتفق جميع المسلمين في وقت واحد على مسألة من مسائل الفروع فهذا من العسير، واختلافهم ـ في مثل هذه الأمور الفرعية ـ التي لا يتجاوزون فيها سياج الدين، أمر لا ضرر فيه، إن بقيت ـ بينهم ـ المحبة، واستمرت المودة، وتوثقت الأخوة، أما إن جرّ الخلاف في الفرعيات وراءه أحقاداً لا تموت، وضغائن لا تمحى، وتراشق المسلمون بألسنة حداد، يسلب بعضهم بعضا من الفهم والعلم والدين، ويبحث بعضم وراء العورات ليكشفها لا ليسترها، وليفضح بها أمام الناس إخوانا في الدين وربما كانوا من العاملين الصادقين المخلصين، ولا يعلم ما في قلوبهم إلا رب العالمين، إنْ جر الخلاف مثل ذلك فماذا بقي من المودة؟ وماذا بقي من الأخوة؟.

لقد حدث خلاف بين السلف الصالح في مسائل كثيرة، ولكن نفوسهم كانت عظيمة وقلوبهم كانت عامرة بالتقوى فخافوا الله فيما يقولون وفيما يفعلون، والتمسوا للمخالفين عذرا، وقبلوا منهم ما به يقوي شأن الجماعة، دون أن يقيموا بينهم وبين هؤلاء أستارا موهومة، وحججا مزعومة، ليتفرق الجميع، بحجة أنهم لنا مخالفون وعن أفكارنا بعيدون. نقول: إن الخلاف بين السلف كان موجودا وحين يحسم الأمر يلتزم الجميع ويصبحون طاقة عاملة، ويدا واحدة يدفعون بها أعداء الله، ويرفعون بها راية الإسلام دون خوف من رأي قيل، أو موقف حدث ذات يوم.

وهل تذكر ـ أخي المسلم ـ يوم السقيفة وما كان فيه من خلاف بين المهاجرين والأنصار حول الخلافة ومن أحق بها وأولى بالقيام بشؤونها؟

ولكن سرعان ما يزول هذا الخلاف من طريق المسلمين، ولم يبقى منه إلا أحداثا يرويها التاريخ لنأخذ ـ نحن ـ منها عبرة لأنفسنا، نتجاوز بها ما بيننا من خلافات في الرأي فيتوحد طريقنا، ولا نثير فيه من حين لآخر غبار بعض الخلافات التي حدثت بيننا، ونحن لا يحدث بيننا اليوم خلاف يصل في درجته لمرحلة الخلاف الذي دب في سقيفة بني ساعدة، ولم نقرأ في كتب التاريخ أو السير أو التراجم أو غيرها أن أحداً من المسلمين اتخذ من موقف صاحبه في ذلك اليوم مجالا للتندر أو السخرية أو الإزدراء، ومع أن خلافاتنا صغيرة هينة إلا أنها تبقى مثارا دائما للتندر أو للسخرية أو لاختلاق العيوب وإثارة القلاقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير