تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يستوي حال جهم، الذي ابتدع بدعة نفي صفات الله، عز وجل، وترك الصلاة أربعين يوما وهو يزعم أنه يرتاد دينا، وافتتح سورة "طه" فلما أتى على هذه الآية: (الرحمن على العرش استوى)، قال: لو وجدت السبيل إلى حكها لحككتها!!!!!!!، لا يستوي هذا الزنديق، وعالم كسلطان الأندلس غير المتوج: أبي محمد بن حزم، رحمه الله، مع أن الأخير قال بمقولة الأول في صفات الله، عز وجل، فزل في هذه المسألة الجليلة، وربما كان السبب في ذلك عنايته بالمنطق اليوناني وبراعته فيه، لأن:

الأول أظهر بدعته في زمن متقدم، كانت الحجة فيه قائمة عليه بما لا يدع مجالا للعذر، بينما الثاني ظهر في عصر متأخر نسبيا، وقيام الحجة يختلف من زمان لزمان، بل قد يختلف من مكان لمكان في نفس الزمان، فقد يكفر المرء بمقولة لا يكفر بها غيره، مع أنها نفس المقولة، لقيام الحجة على الأول دون الثاني.

فضلا عن كون الثاني عالما جليلا معظما للشريعة ظاهرا وباطنا، خلاف الأول الذي أظهر من الزندقة والاستخفاف بالشريعة ما أظهر.

والمسألة جليلة تتطلب بسطا أكثر لا يتسع له المقام، خاصة مع الفوضى التي اختلطت فيها مفاهيم الولاء والبراء بدعوى توحيد الصف والكلمة، وعدم إثارة الفتنة، وبث الفرقة بين طوائف الأمة ...... إلخ، من الشعارات التي رفعتها جماعات "التقريب" المزعوم بين فرق الأمة، كما سبقت الإشارة إليها، والتي أثبتت الأيام فشلها الذريع، ولعل ما يحدث في العراق الحبيب خير شاهد على هذا الفشل، ولا دين إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، رضي من رضي وسخط من سخط.

وينبغي التأكيد على أن هذا الخلاف العقدي الكبير بين فرق الأمة، لا يعني أن هذه الأمة قد انقسمت على نفسها، إذ الواقع يشهد بانقراض كثير من هذه الفرق، وإن بقيت أفكارها في مناهج بعض المعاصرين، وحال جمهور المسلمين يشهد باستقامتهم إجمالا على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن خفيت عليهم تفاصيله الدقيقة، فالإيمان فطري عند أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل الأهواء، فالمقلدون من عوام المسلمين الذين ليس لهم أهلية النظر والاستدلال، مسلمون وإن عجزوا عن إقامة الأدلة وإيضاح البراهين، ورحم الله السفاريني إذ يقول في منظومته:

فالجازمون من عوام البشر ******* مسلمون عند أهل الأثر

فلا يشترط النظر أو القصد إلى النظر في البراهين التي أقامها المتكلمون وجعلوها عمدتهم في الاستدلال على مسائل أصول الدين.

بتصرف من "علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة، المبادئ والمقدمات"، للشيخ الدكتور محمد بن يسري، حفظه الله، ص227.

ورحم الله يزيد بن هارون إذ يقول:

من زعم أن: "الرحمن على العرش استوى" على خلاف ما تقرر في قلوب العامة، فهو جهمي.

فعلق الأمر على ما تقرر في قلوب عامة المسلمين، وهم جمهور الأمة الذي تلقى الإيمان فطريا دون أن ينظر في كتب أصحاب المقالات!!!!.

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، عمدة في مسائل الخلاف.

وبقدر بعد المخالف عن دين الإسلام في الملل يكون الإنكار، وبقدر بعد المخالف عن مذهب أهل السنة في النحل يكون الإنكار، وفق الضوابط الشرعية.

وأهل السنة أعلم الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق، فنظرتهم إلى المخالف نظرة إنكار من جهة الشرع، ونظرة شفقة ورحمة من جهة القدر، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام، رحمه الله، في خاتمة "الحموية"، فينكرون ويجاهدون بالسيف والسنان تارة والحجة والبرهان تارة أخرى، ويرحمون ويدعون بالحسنى من جهة أخرى، ولكل مقام مقال.

وعذرا على الإطالة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[05 - 01 - 2007, 05:54 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير