وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)). اهـ
فهم، كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (ينظرون فيما قاله الله ورسوله، فمنه يتعلمون، وبه يتكلمون، وفيه ينظرون ويتفكرون، وبه يستدلون).
فالعصمة لا تثبت لفرد من الأمة، إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأما أصحابه فعصمتهم عصمة "مجموع" لا "جميع"، وكفى بذا شرفا وفضلا.
وتبقى مسألة الحكم على المخالف، وكيفية التعامل معه:
فإن كان الخلاف سائغا، فلا إنكار في مسائل الخلاف السائغ، الذي لا يصادم نصا أو إجماعا أو قياسا جليا لا خفاء فيه، وإن لم يمنع ذلك من مناقشة المسألة دون حجر على قول المخالف، فتعرض الأدلة ويرجح من له أهلية الترجيح بينها.
وإن كان الخلاف غير سائغ، فالإنكار حتم لازم، لا سيما في المسائل العقدية التي لا تحتمل المداهنة أو المجاملة، ولكن هذا الإنكار يختلف تبعا لاستطاعة المنكر، فيجب على الحاكم ما لا يجب على المحكوم، ويجب على العالم ما لا يجب على العامي المقلد، فإنكار المنكر لا يكون بمنكر أكبر، إذ تدفع المفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى إن عجز المكلف عن دفعهما جميعا.
وينبغي التفريق في هذا الموضع بين: الرأس في البدعة الداعي إليها، والعامي المقلد المظهر لها بلا دعوة، والمستتر بها، فلا يستوون في الإنكار والهجر، وإنما يكون الإنكار والهجر تبعا لمنزلة المخالف.
وهل الهجر خير ليرتدع أم لا يهجر أملا في استصلاحه ورده لجادة الحق والصواب وخوفا عليه من التمادي في غيه ...... إلخ من المسائل التي عقد العلماء فصولا في بيانها في الكتب المعنية بالبدع وأحكام أهلها، ومن أبرز من بسط هذه المسألة وتناولها بالبيان الوافي، شيخ الإسلام، أبو العباس بن تيمية، رحمه الله، إذ فرضت عليه ظروف عصره الذي تعددت فيه الطوائف والفرق أن يتعرض لهذه المسألة في مواضع كثيرة من كتبه، فأجاد وأفاد، كعادته، رحمه الله، وأنصف المخالف، خلافا لما يروجه أعداؤه من المبتدعة في كل زمان، وقل أن يجد القاريء إنصافا كإنصاف أبي العباس، رحمه الله، لمخالفيه، وقد شهد له أعداؤه، كابن مخلوف المالكي، بذلك، والفضل ما شهدت به الأعداء، ففي كلام الرجل رحمة بالمخالف، وإن اشتد في مواضع يقبح فيها اللين، وعلى خطاه سار تلميذه النجيب: شيخ الإسلام ابن القيم، رحمه الله، وحديثا، سار على خطاهما كثير من الأئمة المجددين، كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في جزيرة العرب، والشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، في الجزائر الحبيب، فلم يبشر القوم بأديان جديدة، وإنما كانت دعواتهم مشاريع علمية عملية تجديدية، لإعادة الأمة إلى منهج القرون المفضلة التي عرفت الإسلام الصحيح علما وعملا، ولم يكن تجديدهم كتجديد العلمانيين المعاصرين الذين روجوا لأفكارهم المنحرفة تحت ستار "تجديد الخطاب الديني"!!!!!.
ولا يدعي أهل السنة عصمة لعلمائهم، فلا معصوم بعد صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع:
أنه قد يشتد العلماء في إنكار قول دون التعرض لصاحبه إن كان من أهل العلم المشهود لهم بالفضل، فيرد القول دون التعرض لصاحبه، خلاف ما إذا كان ضالا أو زنديقا، فيرد قوله ويحذر من شخصه.
وقد يصل الأمر للتعرض لصاحب المقولة بالنقد من جهة فساد قوله تحذيرا منه لا قدحا فيه.
وكذا قد يوصف العالم بنوع بدعة، كأن يقال: فلان فيه تجهم، ولا يعني هذا أنه جهمي صرف، وإنما وافق الجهمية في بعض أقوالهم فوصف بأنه جهمي فيما وافقهم فيه.
وقد يذم صاحب بدعة في عصر لقيام الحجة عليه، ويعتذر عن إمام تلبس بنفس البدعة، فعلى سبيل المثال:
¥