تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولا: الواجب علينا تتبع الحكمة، والاستفادة من كنوزها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها، ولكن حذار من الفهم السقيم لهذه المقولة الصحيحة الذي تتخذ مسوغاً لتلقف كل باطل، فليس كل ما ادُعي أنه حكمة يكون كذلك. والحكمة، بل معين الحكمة بين أيدينا محفوظ بحفظ الله، مشهود له بشهادة الله، فلنقبل عليه، وسنجد فيه كل حكمة ونحن أولى الناس بالحكمة؛ ولنتحرى متابعة الكتاب والسنة والتعرف على كنوزهما فمتابعة هدي رسول الله ? في مأكله ومشربه وحياته واستشفائه وما زخرت به سنته من أقوال وأفعال هي الطريق الصحيح الحكيم والوحيد لسعادة الدنيا والآخرة.

ثانياً: الحذر من مخالفة الكتاب والسنة فمآل المخالفة -وإن استصغرها صاحبها- وخيم، قال ابن مسعود ?: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ". و قال الإمام ابن تيمية: "المخالفة تجر أولا للبدعة والضلال وآخراً إلى الكفر والنفاق، ويكون لصاحبها نصيب من قول الله تعالى: ?ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا? "

ثالثاً: الحذر من تشرّب هذه الوافدات حرصاً على النجاة في الآخرة واحتياطاً للدين فهو أعظم نعمة نتنعم بها، وكل ذي نعمة محسود، قال تعالى: ? ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ? وقال سبحانه: ?ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ?. ومن هذا المنطلق أوصى الإمام ابن تيمية تلميذه ابن القيم فقال: " لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار مقراً للشبهات ".

رابعاً: الصدق وإيضاح حقيقة الأمر لمن تطلب فتواهم بشأن شيء وافد مما ذكر هنا أو مما قد يستجد، فأقترح أن يعرض هذا البيان على طلبة العلم الشرعي والدعاة وأئمة المساجد قبل طلب الفتوى منهم بشأن ما أشكل من هذه التطبيقات - لمن يريد التأكد أكثر! - فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. وأذكّر بأن حقيقة الحرام وما يتبعه من إثم لا تتغير لخطأ عالم في فتوى، وكما قيل: من تتبع زلات العلماء فقد جمع الشر كله.

خامساً: الحذر من دعاوى الانتفاع والاستفادة من مثل هذه التطبيقات فليس كل سبب ينتفع به يجوز الأخذ به؛ ولسنا من اتباع مذهب الذرائعية النفعية، فالربا قد يكون وسيلة تحصيل مال في الدنيا إلا أنه سبب محرم، والخمر والميسر فيهما منافع للناس بنص كتاب الله: ?يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ? فلا اعتبار لنفعهما من المنظور الشرعي.

ثم إنه ليس كل ما يظن أنه سبب يكون سبب على الحقيقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف المهتدين في باب الأسباب والمسببات: "ولا يعملون بما حرمته الشريعة، وإن ظن أن له تأثيراً، فدعاء الله وحده لا شريك له دل الوحي المنزل والعقول الصحيحة على فائدته ومنفعته، ثم التجارب التي لا يحصي عددها إلا الله فتجد المؤمنين قد دعوا الله وسألوه أشياء أسبابها منتفيه في حقهم، فأحدث الله لهم تلك المطالب على الوجه الذي طلبوه، على وجه يوجب العلم تارة والظن الغالب أخرى. وبالجملة فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب، أو شرط السبب، في هذا الأمر الحادث قد يعلم كثيراً، وقد يظن كثيراً، وقد يتوهم كثيراً وهماً ليس له مستند صحيح، إلا ضعف العقل"، وقال عن الضالين في هذا الباب: " والضالون: يتوهمون من كل ما يتخيل سبباً، وإن كان يدخل في دين اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.والمتكايسون من المتفلسفة يحيلون ذلك على أمور فلكية، وقوى نفسانية، وأسباب طبيعية يدورون حولها، لا يعدلون عنها! "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير