وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من عدة طرق، أخرجها ابن جرير في تفسير هذه الآية،وأخرجها أيضاً البيهقي في الأسماء والصفات باب ما ذكر في الساق، وبعضها أسانيده صحيحة وبعضها حسنة [وقد جمع سليم الهلالي هذه الآثار وتكلم على أسانيدها في رسالة مستقلة بعنوان: المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير (يوم يكشف عن ساق) وخلص في هذه الرسالة إلى أنه لا يصح منها شيء.] وقد صحح ابن حجر بعض أسانيدها، وحسن بعضها. ولعل تعدد طرق هذه الآثار يدل على أن لها أصلا. والله أعلم.
والقول الثاني: أن معنى الآية، يوم يكشف الرحمن – سبحانه - عن ساقه يوم القيامة.
وهذا القول ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال في تفسير هذه الآية: يكشف عن ساقه تبارك وتعالى.
وهذه الآية ليست نصاً صريحاً في اثبات صفة الساق لله عز وجل؛ لأنها جاءت نكرة في الإثبات، ولم تضف إلى الله تعالى؛ ولذا وقع الخلاف بين السلف في تفسيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها.
وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف؛ بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله، ........ ) ثم قال رحمه الله: (وتمام هذا أني لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) فروي عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة، إن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات؛ للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين.
ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه الآية في الصفات؛ فإنه قال: (يوم يكشف عن ساق) نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله، ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف.) اه كلامه رحمه الله، وهو في غاية التحقيق والنفاسة. مجموع الفتاوي [6/ 394_395].
وإذا تقرر هذا، فإن أولى القولين بالصواب هو ما قاله ابن مسعود ومن وافقه؛ وهو أن المراد بالساق في الآية ساق الله تعالى؛ وذلك لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً) متفق عليه.
فهذا الحديث ذكر الكشف عن الساق والسجود له سبحانه، وهي كذلك مذكورة في الآية، فهذا مما يؤيد القول الثاني.
وما أجمل قول الشوكاني رحمه الله: (وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عرفت، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً، فليس كمثله شيء
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمنٌ في دينه كمخاطر.) فتح القدير للشوكاني
ويؤيد هذا القول أيضاً ويقويه أنه تفسير للفظ بحقيقته ومعناه المعروف، وأما القول الأول فإنه يصرف اللفظ إلى المعنى المجازي؛ والأصل حمل ألفاظ القرآن الكريم على الحقيقة.
فهنا قاعدتان من قواعد الترجيح ترجح القول الثاني:
القاعدة الأولى: إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه.
القاعدة الثانية: يجب حمل ألفاظ الوحي على الحقيقة.
انظر كتاب: قواعد الترجيح عند المفسرين للشيخ حسين الحربي، وقد استفدت منه كثيراً في هذا الجواب.
فلينظر للفائدة [1/ 209_ 212] وهذا الكتاب من الكتب القيمة في بابه، وهو في الأصل رسالة ماجستير.
تتمة مهمة:قال ابن القيم
0000 والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن الشدة أو المراد بها أن الرب تعالىيكشف عن ساقه
ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع
وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه
وإنما ذكره مجردا عن الإضافة منكرا والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن
وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه
(فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدا) ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى
{يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود} " القلم42 " مطابق لقوله
(فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدا) وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال يكشف عن ساق عظيمة
جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا
وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة عن القوم
لا كشف عنها كما قال الله تعالى
{فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} " الزخرف50 " وقال ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر المؤمنون75
فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه وأيضا فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة
وهناك لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة [الصواعق المرسلة ج: 1 ص: 252] طبع العاصمة - الرياض
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق} لم يقل يوم يكشف الساق وهذا يبين خطأ من قال المرادبهذه كشف الشدة وأن الشدة تسمى ساقا
و أنه لو أريد ذلك لقيل يوم يكشف عن الشدة
أو يكشف الشدة و أيضا فيوم القيامة لا يكشف الشدة عن الكفار و الرواية في ذلك عن ابن عباس ساقطة الإسناد
[الرد على البكري ج: 2 ص: 542] طبع الغرباء الأثرية - المدينة
تم تحريره من قبل أبو مجاهد العبيدي في 14 - 8 - 1423 هـ عند02:40 صباحاً
¥