ومن المعاصرين الشيخ أبو العلا الراشد في رسالته " عارض الجهل وأثره على أحكام الإعتقاد " بتقديم الشيخ العالم صالح الفوزان وهي من أحسن ماكتب المعاصرون في هذه المسألة فجزاه الله خيرا.
المسألة الثانية:التحذير من التكفير
فالمتأخرون طردوا أصلهم في عدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية، فنهوا عن تكفير الأعيان مطلقا واستشنعوه عل كل حال
وفرقوا بين الوصف والعين مطلقا، فأطلقوا الكفر على الفعل ونهوا عن تكفير الفاعل بعينه مطلقا.
أما المتقدمون فلما تقررعندهم من الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية فإنهم يعملون النصوص الدالة على خطر التكفير ووجوب التحذير منه = في المسائل الخفية التي يلتبس حال المكلف فيها، ويصفون الفعل فيها بالكفر ويتوقفون عن الفاعل، وقد شددوا في تكفيره بعينه أعظم تشديد وحذروا أشد تحذير، وعلى المسائل الخفية تحمل جميع عباراتهم المجملة في هذا الباب.
وأما المسائل الظاهرة، فإنهم ينكرون أشد الإنكار على من توقف في تكفير أعيان من وقع في أفراد المكفرات منها، ويعدون التوقف في هذا من أعظم المنكرات وأن الحامل عليه في الغالب هو عدم مراعاة حرمة الإسلام بإدخال من ليس من أهله فيه كما يراعون حرمة المسلم ويعدون إخراجه من الإسلام بغير موجب ظاهر لذلك من أعظم المنكرات.
فأخذ من لاخلاق له تعظيمهم لحرمة المسلم فأعطاه للمرتد عن الإسلام الخارج عن حده!
وأخذ تشنيعهم على من أدخل من ليس من أهله فيه فجعله على من أدخل من ليس من أهل الإسلام في الكفر!
وهم في هذا كله ينكرون على من تكلم بجهل وقلة ورع في هذه المسائل سواء أصاب أم أخطأ.
كما أنهم يعتبرون المصالح والمفاسد في إظهار اعتقاد كفر هذا المعيّن إن كان مما لايجب إظهاره في حالاته المخصوصة.
وينظر في هذه رسالة للشيخ عبدالرحمن بن حسن في الرد على رجل سوء يحذر من التكفير بغير تحقيق ولاتحرير وهي في الدرر (11/ 446).
وكذلك " الشهاب الحارق لابن سحمان (ص168 - 169).
و"مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام " للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن.
و" الإتحاف في الرد على الصحاف " له أيضا.
المسألة الثالثة: ضابط إظهار الدين الذي يبيح الإقامة في بلاد الكفاربقيد أمن الفتنة.
فالمتأخرون جعلوا إظهار الدين.هنا هو إظهار العبادات العملية غير المتعدية كالصلاة والصيام والزكاة مما لايخالفهم فيها المشركون بل قد يوافقونهم عليها.
أما المتقدمون، فإظهار الدين عندهم هو القدرة على (إظهار المعتقد) بإظهار المخالفة للمشركين وإعلان العداوة لهم
فإن كان المقيم عاجزا عن هذا لم تبح له الإقامة في بلادهم إلا المستضعف بضابطه.
وقد نقل هذا الضابط عن المتقدمين جماعة ومنهم:
الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته" إقامة الدليل على تحريم الإقامة بين أهل الشرك والتعطيل "
والشيخ حمد بن عتيق كما في " سبيل النجاة والفكاك من موالاة أهل الإشراك ".
وينظر " كشاف القناع عن متن الإقناع " (3/ 150) باب أحكام أهل الذمة
و" تحفةالمحتاج " لابن حجر الهيتمي (12/ 110 - 111) فصل في أمان الكفار.
المسألة الرابعة: ضابط إقامة الحجة المعتبر:
فالمتاخرون يشترطون لقيام الحجة =تمام الفهم لها واندفاع كل شبهة عن من وقع في الكفر، ويشترطون هذا في جميع المسائل.
أما المتقدمون: فيفرقون بين المسائل الظاهرة وغيرها.
فقيام الحجة في المسائل الظاهرة تكون عندهم ب (بلوغ القرآن) فمن بلغه أو سمع به فقد قامت عليه الحجة كما قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ}.
ويكفي في هذا = فهم تراكيب الألفاظ ودلالتها الظاهرة، دون تمام الفهم المستلزم للانقياد.
أما المسائل الخفية، فصفة قيام الحجة فيها هي: بلوغ الدليل إيضاخ المراد منه حتى يفهم ورد الشبهات التي تعلق به ممن يحسن ذلك من أهل العلم.
وينظر في هذا: " الجواب الصحيح " لشيخ الإسلام (1/ 310).
والشيخ محمد بن عبدالوهاب كما في مجموع المؤلفات (7/ 159 - 160).
والشيخ اسحاق بن عبدالرحمن كما في " حكم تكفير المعيّن ".
والشيخ أبا بطين كما في " الإنتصار" (ص44) ط. طيبة.
والشيخ سليمان بن سحمان كما في " الضياء الشارق " (290).
وغيرهم.
المسألة الخامسة: اشتراط " قصد الكفر " لتنزيل اسم الكفر على المعيّن.
والمقصود ب" قصد الكفر " هنا هو: أن يفعل المكلف الكفر معتقدا أنه كفر ناويا الوقوع في الكفر.
فالمتأخرون اشترطوا قصد الكفر بهذا المعنى لتكفير المعيّن وجعلوا عدم قصد الكفر مانعا من تكفير الأعيان مطلقا.
أما المتقدمون فالحكم عندهم مبني على الظاهر لا القصد.
فمن وقع في شئ من المكفرات " الظاهرة " فهو كافر بعينه عندهم وإن لم يعلموا قصده بل وإن لم يكن قصده الخروج من الملة، ولكن قصد الوقوع في الفعل.
أما الأقوال والأفعال الخفية المحتملة للكفر وعدمه فهذه يسألون عن مقصد فاعلها قبل تكفيره بعينه.
وليس المراد سؤاله هل قصد أن يكفر أم لا، بل المراد سؤاله: هل قصد أن يفعل الفعل الذي هو كفر مع علمه بكونه كفرا أو مع ظنه أنه حرام لا كفر وقصد فعله، فإن كان ذلك كذلك فهو كافر عندهم بعينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " الصارم المسلول "
(ص178):
" ... وبالجملة فمن قال أو فعل ماهو كفر كفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لايقصد الكفر أحد إلا ماشاء الله ".
قال ابن القيم رحمه الله ناقلا عن الشافعي ومقررا رأيه (الإعلام ج3/ 102ط. أنصار السنة):
" ومن حكم على الناس بخلاف ماظهر منهم استدلالا على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة ".
وقال ابن حجر في " الفتح " (12/ 272): " وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر ".
وانظر: " الموافقات " للشاطبي (2/ 271).
و" درء التعارض " (8/ 432).
وهذا آخر ما أورد مما يراد من المعالم.
¥