يشترط في زيادة الثقة عدم المخالفة لمن هو أوثق منه وظاهر رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه مخالف لبقية الرواة عن أبي سعيد ومخالف لبقية من روى حديث الجهنميين الذين وصفوا في الأحاديث الأخرى بأنهم " يشهدون أن لا إله إلا الله ويعبدون الله ولا يشركون به شيئاً ومن أهل الصلاة ". بينما في الزيادة أنهم لم يعملوا خيراً قط.
والظاهر أن هذه الزيادة شاذة إذا أُخذت على ظاهرها أو صحيحة إذا أمكن الجمع بينها وبين بقية الروايات بجمع صحيح.
المبحث الثاني: المعاني اللغوية في الحديث
سبق أن بينتُ أن حديث الجهنميين جزء من حديث الشفاعة الطويل وسأذكر جملة من ألفاظ الحديث التي تحتاج إلى بيان معانيها اللغوية "سَفْع" أي: سواد فيه زرقة أو صفرة يقال: سفعته النار إذا لفحته فغيّرت لون بشرته (7). "امتحشَوا" أي: احترقوا يقال: امتحش الخبز أي: احترق. ويقال: محشته النار وأمحشته والمعروف: أمحشَه (8). "الحِبّة": قال ابن شميل: "الحبة (بكسر الحاء) اسم جامع لحبوب البقول التي تنتشر إذا هاجت ثم إذا مطرت قابل نبتت". وقال أبو عمرو: "الحِبّة نبت ينبت في الحشيش الصغار". وقال ابن دريد في الجمهرة: "كل ما كان من بَزْر العشب فهو حبّة". والجمع حِبب (9).·"حميل": قال أبو سعيد الضرير: "حميل السيل ما جاء به من طين أو غثاء فإذا اتفق فيه الحِبّة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة وهي أسرع نابتة نباتاً". قال المازري: "وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم من سرعة نباتهم" (10). ·"قشبني" قال الجوهري: "قشبني يقشبني أي أذابني كأنه قال: سمّني ريحه .. والقشيب: السم والجمع أقشاب" (11) قال القرطبي: (قوله: "قشبني ريحها" أي غيّر جلدي وصورتي وسَوّدني – وأحرقني قاله الحربي) (12). ·"حمماً": الحُمَم: الفحم واحده حممة (13). "ضبائر": قال الهروي: "ضبائر جمع ضِبارة (بكسر الضاد) مثل عمارة وعمائر والضبائر: جماعات الناس يقال: رأيتهم ضبائر أي جماعة في تفرقة" (14). "قَطّ": بفتح القاف وتشديد الطاء ظرف لاستغراق الزمن الماضي ويشترط أن يسبقها نفي.
ومنه قول الفرزدق:
ما قال لا قط إلاَّ في تشهده
لولا التشهد كانت لاؤَه نعمُ (15)
المبحث الثالث: بيان معنى قوله " لم يعملوا خيراً قط " والرد على المرجئة
ورد في وصف الجهنميين في الأحاديث بالأوصاف التالية:
1 - لا يشركون بالله شيئاً (16).
2 - يقولون لا إله إلا الله (17).
3 - يعرفون بأثر السجود (18).
وهذه الأوصاف مأخوذة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد , وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار , أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً , ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله , فيعرفونهم في النار. يعرفونهم بأثر السجود. تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود. حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود , فيُخْرَجون من النار وقد امتحشوا ... " الحديث. وظاهر رواية " لم يعملوا خيراً قط " معارضة لوصف الجهنميين بهذه الأوصاف , ولهذا كانت هذه الرواية فيها إشكال يحتاج إلى بيان وتوضيح.
وقد احتج بهذا الحديث طائفتان:
إحداهما: من يرى أن الإيمان هو تصديق القلب فقط , ولا يدخل في حقيقته قول اللسان وعمل القلب والجوارح , وهم مرجئة المتكلمين من الأشاعرة و الماتريدية.
والثانية: من يرى أن الإيمان تصديق القلب وقول اللسان وعمل القلب ويستدل بهذا الحديث على أن ترك جميع أعمال الجوارح إلا الشهادتين لا يخرج من الإيمان.
والحق أنه ليس لهما دليل في هذه الرواية على ما ذهبوا إليه.
أولاً: الرد على مرجئة المتكلمين (غلاة المرجئة):
أخذ الغزالي في إحياء علوم الدين من هذا الحديث أن العمل ليس ركناً في الإيمان , إذ الركن لا يحتمل السقوط إلا بانتفاء الحقيقة , وقد أخرج الله تعالى من النار قوماً جاءوا بالتصديق المجرد (19).
" وقد استدل الغزالي بقوله " من كان في قلبه " على نجاة من أيقن بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت , وقال في حق من قدر على ذلك فأخَّر فمات: يحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار " (20).
والرد على المرجئة من وجوه:
¥