أولاً: أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه: ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، و ليس فيها لفظ: ((فسيراني في اليقظة)) إلا في موضع واحد.
ثانياً: أن كلا من مسلم حديث رقم 2266، و أبي داود حديث رقم 5023، و أحمد 5/ 306، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ ((فسيراني في اليقظة. أو لكأنما رآني في اليقظة)) و هذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ ((فكأنما رآني)) أو ((فقد رآني)) لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم و ليس فيها شيء شك فيه الراوي.
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.
ثالثاً: إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس من يقول: تمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي)) فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم، و أغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ.
رابعاً: ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الفتح 12/ 400 أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة ((فقد رآني في اليقظة)) بدل قوله: ((فسيراني)).
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ، و لعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة.
ونقل عن المازري قوله: إن كان المحفوظ ((فكأنما رآني في اليقظة)) فمعناه ظاهر.
هذا ما يتعلق بالحديث رواية، و إن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على: أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.
أما ما يتعلق به دراية يقول أهل العلم: لو فرضنا أن هذا اللفظ ((فسيراني)) هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية، و هذا نقل لبعض أقوالهم رحمهم الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(احذروا القصاصين فهم كثر بيننا و هم ليسوا من أهل العلم في شيء)
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الخامس إن شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته