21 - وبالقدرِ المقدورِ أيقِن فإنَّه --- دعامةُ عقدِ الدِّين، والدِّينُ أفيحُ
هذا البيت في إثبات الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقضاء بالقدر , كما جاء في حديث جبريل المشهور , قال أخبرني عن الإيمان. قال (أنْ تؤمن بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره). وهذا جزء من حديث طويل خرجه مسلم عن ابن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما , والحديث له قصة كما في مسلم , فإن ابن عمر رضي الله عنه جاءه رجلان فقالا له: إن قِبلنا قومٌ يقرؤون القرآن , ويقولون إن الأمر أُنُفٌ ولا قدر. فقال ابن عمر (إّذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برء مني , والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قُبل منه حتى يؤمن بالقدر , فإني سمعت أبي يقول: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث (1).
فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان , وأصل من أصول الدين , وعمود من أعمدته , وإنْ انهدم فلا يبقى إيمان ولا دين , فالدين له فروع كثيرة ولكنه يقوم على ستة أصول لا ينفك بعضها عن بعض منها الإيمان بالقدر , وبزوال شيء منها ينهدم الدين ولا يبقى. ولذا جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال (القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وكذب بالقدر فقد نقض تكذيبُه توحيده) أي أنه إذا لم يكن إيمان بالقدر فليس هناك توحيد. والكفر بالقدر كفر بالله كما قال الإمام أحمد رحمه الله (القدر قدرة الله).
وقد جاء في القرآن نصوص كثيرة واضحة الدلالة ليس فيها أدنى إشكال في أن الأمور كلها بقدر , قال تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر49)
وقال تعالى (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) (الأحزاب38)
وقال تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير29)
وقال تعالى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى3,2)
وقال تعالى ( .. ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) (طه40)
فكل شئ بقدر الأعيان والصفات , فأعيان المخلوقات وكذلك ما يقوم بها من صفات كالحركات والسكنات والكلام والسكوت كلها بقدر , وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند البخاري في خلق أفعال العباد (2) (كل شئ بقدر حتى وضعك يدك على خدك)
ولا تسقط ورقة من شجرة إلا بقدر , حتى العجز والكيس بقدر قدره الله وقضاه كما قال صلى الله عليه وسلم (كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس) رواه مسلم (3). من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فكل شئ بقدر ولا يمكن أن يكون في الكون شئ لم يرده الله ولم يخلقه إذ الملك ملكه والخلق خلقه , والإيمان بالقدر بأن يؤمن العبد بأن الله سبق في علمه وجود الكائنات وما يعلمه العباد من خير وشر , وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ , وأن وجود أي شيء من ذلك إنما يكون بمشيئته , وأنه سبحانه الخالق لكل شيء.
وعليه فالإيمان بالقدر لا يكون إلا بالإتيان بمراتب القدر , وهي أربع مراتب:
1) الإيمان بعلم الله الأزلي: وأنه أحاط بكل شئ علماً , وأنه علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال23)
يقول تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ2,1)
وقال تعالى (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان16)
¥