مالكا أهمل اعتبار حديث ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وقوله: ((ارايت لو كان على أبيك دين .... الحديث)) لمنافاته للأصل القرآني الكلي نحو ((أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) النجم: 38 ـ 39. كما اعتبرته عائشة في حديث ابن عمر.
وأنكر الإمام مالك حديث إكفاء القدور التي طبخت من الإبل والغنم قبل القسم، تعويلا على اصل الحرج الذي يعبر عنه بالمصالح المرسلة، فأجاز أكل الطعام قبل القسم لمن احتاج إليه.
قال ابن العربي: (ونهى عن صيام الست من شوال مع ثبوت الحديث فيه، تعويلا على اصل سد الذرائع، ولم يعتبر في الرضاع خمسا ولا عشرا للأصل القرآني في قوله: ((وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)) النساء: 23. وفي مذهبه من هذا كثير) اهـ، فكيف بعد هذا يقال أن الإمام مالكا يرى أن أحاديث الآحاد تفيد القطع وانه يستدل بها في مسائل الاعتقاد.
وأما الإمام احمد فقد ثبت عنه ثبوتا أوضح من الشمس انه كان يرى أن أحاديث الآحاد لا تفيد القطع، والأدلة على ذلك كثيرة جدا أكتفي هنا بذكر اثنين منها:
1ـ روى احمد ج2 ص301 حديث رقم 8011، والبخاري 3604 ومسلم 74 (2917) من طريق أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((يهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله، قال: لو أن الناس اعتزلوهم))، قال عبدالله بن احمد: (وقال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث فانه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم)؛ فهذا دليل واضح وحجة نيره على انه يرى أن الحديث الأحادي ظني لا يفيد القطع والا لما ضرب عليه؛ مع العلم بان هذا الحديث موجود في الصحيحين كما رأيت من تخريجه (3).
2ـ روى مسلم 266 (511)، والأربعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ..... الخ)).
قال الترمذي في سننه ج2 ص163: قال احمد: (الذي لا اشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، وفي نفسي من الحمار والمرأة شي) اهـ، وانظر " الفتح " ج1 ص 774ـ775، فهذا يدل دلالة واضحة على إن الإمام احمد يرى أن الآحاد لا يفيد القطع، والا لو كان يراه يفيد القطع لما توقف فيه، وهذا الحديث كما رأيت موجود في صحيح مسلم.
ـــــــــــــــ
(1) وكذلك ضعف الإمام احمد حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم برقم (50) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم انه تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل)). اهـ
قال الإمام احمد كما في " شرح النووي على صحيح مسلم " ج2 ص28 وغيره: (هذا الحديث غير محفوظ)، قال: (وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود اهـ. وقال ابن الصلاح: هذا الحديث أنكره الإمام احمد بن حنبل). اهـ قلت: والحديثان صحيحان عندنا وما خالفهما ـ إن لم يمكن الجمع بينهما وبينه ـ باطل مردود، وليس هذا موضع بيان ذلك والله المستعان.
... المذهب الراجح وأدلته ...
والمذهب الأول هو المذهب الحق الذي لا يجوز القول بخلافه،والأدلة عليه – بحمد الله – كثيرة جداً، أذكر بعضها هنا، وأترك البعض الآخر لمناسبة أخرى.
وإليكم بعض هذه الأدلة:-
(1) أنه لو أفاد خبر الواحد العلم لوجب تصديق كل خبر نسمعه، لكنا لا نصدق كل خبر نسمعه ولو كان ناقله ثقة، وهذا لا يحتاج إلى بيان.
(2) أن الناس قد قسموا الأخبار إلى خمسة أقسام:
1 - قسم مقطوع بصدقة.
2 - قسم مقطوع بكذبة.
3 - قسم يحتمل الصدق والكذب، واحتمال الصدق أرجح من احتمال الكذب.
4 - قسم يحتمل الصدق والكذب، واحتمال الكذب أرجح من احتمال الصدق.
5 - قسم يحتمل الصدق والكذب على سواء.
¥