تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رابعا: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله , إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته , وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح , وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده , ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله , قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} وليس هذا النور مكتسبا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة , أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم. . . إلخ , خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته , وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم , أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها، فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيا , أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم , فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. (ص 366 وما بعدها من [مجموع الفتاوى] لابن تيمية , الجزء الثامن عشر).

خامسا: القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشرا مثلنا يحتمل حقا وباطلا , وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: هذه الكلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا، فإن أريد بها إثبات البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس مماثلا للبشر من كل وجه , بل يشاركهم في جنس صفاتهم فيأكل ويشرب , ويصح ويمرض , ويذكر وينسى , ويحيا ويموت , ويتزوج النساء ونحو ذلك ويختص بما حباه الله به من الإيحاء إليه وإرساله إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ; فهذا حق , وهو الذي شهد به الواقع وأخبر به القرآن , قال الله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فأمره أن يخبر أمته بأنه بشر مثلهم إلا أن الله اصطفاه لتحمل أعباء الرسالة وأوحى إليه بشريعة التوحيد والهداية. . . إلخ , وقال تعالى في بيان ما جرى من تحاور بين الرسل وأممهم: {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} فأقر الرسل بأنهم بشر مثلنا ولكن الله من عليهم بالرسالة , فإن الله سبحانه يمن على من يشاء من عباده بما شاء ويصطفي منهم من أراد ; ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور ومثل هذا في القرآن كثير.

وإن أريد به أن الرسول ليس بشرا أصلا أو أنه بشر لكنه لا يماثل البشر في جنس صفاتهم فهذا باطل يكذبه الواقع وكفر صريح ; لمناقضته لما صرح به القرآن من إثبات بشريتهم ومماثلتهم للبشر فيما عدى ما اختصهم الله به من الوحي والنبوة والرسالة والمعجزات.

وعلى كل حال لا يصح إطلاق هذه الكلمة نفيا ولا إثباتا إلا مع التفصيل والبيان لما فيها من اللبس والإجمال ; ولذا لم يطلقها القرآن إثباتا إلا مع بيان ما خص به رسله كما في الآيات المتقدمة , كما في قوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} وكما يخشى من التعبير بمماثلتهم للبشر بإطلاق انتقاص الرسل والتذرع إلى إنكار رسالتهم يخشى من النفي للمماثلة بإطلاق الغلو في الرسل وتجاوز الحد بهم إلى ما ليس من شأنهم , بل من شئون الله سبحانه , فالذي ينبغي للمسلم التفصيل والبيان لتمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير