يقول ابن رشد كما في مناهج الادلة: (وأما ما يتكلفه الاشعرية من الدليل الذي يستنبطونه وهو الذي يسمونه دليل التمانع ..... الى ان قال وأما كونه لايجرى مجرى الشرع بأن الجمهور لايقدروا على فهم ما يقولون ذلك فضلا أن يقع لديهم به أقتناع) اهـ.
وقال الشاطبي رحمه الله في أول الموافقات:
((المقدمة السادسة:
وذلك ان ما يتوقف عليه معرفة المطلوب قد يكون له طريق تقريبي يليق بالجمهور وقد يكون له طريق لايليق بالجمهور .... الى ان قال فان التصورات المستعمله في الشرع انما هي تقريبات بالالفاظ المترادفة وما قام مقامها من البينات التقريبية وضرب امثلة رحمه الله واجاد وافاد)).
وليت الشيخ العلامة دراز ما علق على هذا الموضع فهو في واد والشاطبي رحمه الله في واد آخر.
وهذا المسلك وهو المسلك المتقرر شرعا فكثيرا ما تفسر الاحكام باللوازم وليس بالماهيات والحدود.
وتجد ان الفكر السلفي يتمسك بالنتائج الواقعية العملية اكثر من الابحار في أعماق صورية والتعليل بعلل وهمية.
وهذه هي الطريقة النبوية ... وتجد العجزة عن الافعال المبرزين في تكلف الاقوال من أهل الكلام يصمون اتباع هذا المنهج بالضعف العلمي!!
وأنا نتسائل هل هذا الضعف ضعف فقهي فيكون جوابهم لا؟ هل ضعف حديثي فيقال بل هم اهل هذه الصناعة وحذاقها؟ فيقال هل هو ضعف عملي فيقال لا؟ فهل هو ضعف لغوي او نحوي او اصولي الى اخره فتجد الجواب لا؟ فما هو الضعف اذا؟ فيكون الجواب عدم المامهم بعلوم المنطق فنقول وما هو مكمن الصعوبة في علم المنطق! ان اعظم الصعوبة في علم المنطق هو قلة الاثار العملية لهذا الفن؟ فهو اشبه بقوالب جامد قد تنفع في العلوم المرتبطة بقوانين ثابتة لكنها لاتنفع في العلوم التحليلة المرتبطة بمفاهيم وليست قوانين.ومن هذه العلوم العلوم الشرعية.
ولم تتطور هذه المدنية الغربية الا بنبذهم للمنطق الصورى الارسطي بل انهم عزوا سبب التخلف الى التمسك بهذا المنطق ولم يظهر الفكر الفلسفي التجريبي الا بعد القضاء على الارث الارسطي الموغل في التنظير.
قال (بيكون) العالم المشهور وابو الفلسفة الحديثة قال في كتابه المشهور (الاورجانون الجديد) في اشارة الى اورجانون ارسطوا.
قال ((لقد فقدوا غايةالعلوم وهدفها واختاروا طريقا خاطئا بتباعهم منهحا ليس من شأنه ان يكتشف جديدا من مبادئ المعرفه .. الى ان قال: فقد ضللهم منهج البحث الذي يهجر الخبرة التجريبية ويدورون حول انفسهم في دوائر مغلقة)). انتهى من ترجمة د/ منى الخولي
بل انما قام النهج الحديث على نبذ هذا الارث وهاجمه اساطين الفكر الحديث:
أمثال: ديكارت , رسل , مل , بوبر وغيرهم.
ولان كان هذا الهجوم والنبذ والنقد سبب تحرك المارد التجريبي وسبب نهضة نيوتن والنسبية والكوانتم الحديثة.
فلقد كان نقد ابن تيمية بلا مواربه سببا لنهضة فكرية ويقضه علميه نبذت القوالب الجامدة التى وصل اليها الفكر الاسلامي بل صار هذا على مستوى العبادات.
وحتى لانتهم الفلاسفة المنتسبين للاسلام بالاغراق في علوم ماوراء الطبيعه وتركهم المنافع الجليلة في الفكر الفلسفي.
فسوف نكون منصفين ونبين اقسام الآخذين بالفكر الفلسفي في المقال التالي ان شاء الله.
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[24 - 09 - 03, 06:45 م]ـ
قبل ان نشرع في ذكر بعض الفلاسفة الاسلاميين الذين اخذوا ببعض الجوانب الايجابية في الفلسفة.
لابد ان نطرح تساؤل: اليسوا هؤلاء الفلاسفة من أهل الاسلام؟ الم يعلموا بمنافرة الفكر الذي انتحلوه لهذه الشريعة؟
فيكون الجواب ان المدنية اليونانية كانت مدنية وثنية فصار عند الفلاسفة اليونان نوع من محاولات اكتشاف القوة المسيطرة على هذا الكون وقد نزع بعضهم نزوعا روحيا وهو افلاطون ونزع بعضهم الى الكيان المادي الطبيعي وهو ارسطوا. غير انهم لم يستنيروا بانوار الوحى وقد دخل الفكر الارسطي في كيان ديانات متعددة اشهرها المسيحية وتشكلت المسيحية الحديثة بانواع من هذا الامتزاج.
غير ان هذه الوثنية الفكرية عجزت عن ممازجة الفكر الاسلامي القائم على التوحيد.
ولكن الفلاسفة المنتسبين للملة حاولوا التوفيق بينهما , كمحاولات الفارابي التوفيق بين نظرية النبوة الفلسفية وقضية النبوة في الشريعة الاسلامية وخرج بهذا الى مساواة النبى بالفيلسوف فجميعهم ينهل من معين واحد وهو العقل الفعال بل الفيلسوف اعظم مكانة من النبى فالنبى يصل الى العقل الفعال بالقوة التخيلية خلاف الفيلسوف الذي وصل اليها بجهوده العقليه ...
وكذلك حاول الكثر الفلاسفة كابن سينا وغيره , و كانت اشهر هذه المحاولات واكثرها جدية محاولة ابن رشد التى جسدها في كتابة الشهير (فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).
حيث قال فيه (الحكمة صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة) ... وعزا التضاد الحاصل بين الفلسفة والشريعة الى صعف نظر لآخذين وليس الى كتب الحكمة كما سماها.
أما الفلاسفة المنتسبين للملة الذين قد ركزوا على الجوانب الايجابية الفلسفة من مثل ابو الريحان البيروني فلقد كان يعنى كثيرا بالابحاث التجريبية وان كان له الكثير من المشاركات في العلوم الانسانية والشرعية.
وكذلك ترجم علماء الاسلام كتاب المخروطات لصاحبه (لابلوينس) وكتب المجسطي وكتب الطب لجالينوس وغيرها. وانتخبوا علم الجبر واسسوا الكثير من المبادئ والعلوم كعلم البصريان وغيرها.
ولم تكن الشريعة ولا الفكر السلفي الخالص ابدا معارضة لامثال هذا التوجه غير ان المعارضة كل المعارضة بل المحاربة والمقاتله على مزج العلوم الدينية بمثل هذه الافكار الفلسفية.
وسوف نتكلم في المقال القادم ان شاء الله على قضايا المنهج العلمي لان له نوع ارتباط بالعلوم الدينية لانها من جنس العلوم النظرية اجمالا وهذا هو المحز من المفصل , اذ انه هو الذي كثر فيه الخلط والتخليط.
¥