تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هو وأشكاله عقليات، وإنما هي جهليات، وجهله بالأمرين يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل التي يجب اعتقادها ويجب أن تذكر قولا أو تعمل عملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد، ومن الوسائل الباطلة من دلائل هذه المسائل، وأن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك، كما هو الواقع لطوائف من أصناف الناس حذاقهم من مفكري هذه الأمة، فضلا عن عامتهم.

وعليه، فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا كافيا قاطعا للعذر، وهو من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين، ومن أعظم ما أقام الله به الحجة على عباده، وكتاب الله الذي هو القرآن الكريم الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول صلى الله عليه وسلم لفظه ومعانيه، والحكمة التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملان من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب، كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم قد علم هذه الأمة حتى آداب الأكل والشرب والوطء والخروج إلى الخلاء وغيرها من صغار المسائل، كيف لا وأصحابه قد نقلوا عنه دق المسائل من بصاقه وشعره الذي يحلقه وغيرها مما يطول ذكره كثير.

وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان أصول الدين من كان ناقصا في عقله وسمعه، ومن كان له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك10]، وهذا موجود في كثير من المتفلسفة والمتكلمة والمفكرين وجهال أهل الحديث والمتفقهة والصوفية، وأما دلائل هذه المسائل الأصولية فإن طوائف من المتكلمين والمتفلسفة والمفكرين قد غلطوا غلطا عظيما بل ضلوا ضلالا مبينا في ظنهم أن دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد، ومعلوم أن ذلك لا يوجب العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر، وهذا ما اضطرهم إلى أن يجعلوا العلوم العقلية أصلا كما يفعل أبو المعالي و أبو حامد و الرازي و غيرهم، وأن طريقهم هي الطريق البرهانية الدالة بواسطة العقل، وحقيقة الأمر ما عليه سلف الأمة أهل العلم والإيمان من أن الله سبحانه وتعالى بين من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في ذلك العلم مالا يقدر أحد من هؤلاء قدره، ونهاية ما يذكره هؤلاء الطاعنون في كتبهم ومقالاتهم جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه، كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله في كتابه، المتمثلة في الأقيسة العقلية باستعمال اللزوم العقلي.

الحياة الحقيقية لا تكون إلا بالكتاب والحكمة:

وقد ضرب الله تبارك وتعالى لعباده مثلين أحدهما مائي والآخر ناري في سورة البقرة وفي سورة الرعد وفي سورة النور، فجعل المؤمن حي القلب مستنيره، والكافر والمنافق ميت القلب مظلمه.

قال الله تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} الآية، وقال تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات} فجعل من اهتدى بهداه واستنار بنوره بصيرا حيا في ظل يقيه من حر الشبهات والضلال والبدع والشرك مستنيرا بنوره، والآخر أعمى ميتا في حر الكفر والشرك والضلال منغمسا في الظلمات.

وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} الآية، فسمى وحيه روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح التي هي الحياة الحقيقية، ومن عدمها فهو ميت لا حي، والحياة الأبدية السرمدية في دار النعيم في جنات الخلد هي ثمرة حياة القلب بهذا الروح الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن لم يحي به في الدنيا فهو ممن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا.

وأعظم الناس حياة في الدور الثلاث؛ دار الدنيا ودار البرزخ ودار الجزاء أعظمهم نصيبا من الحياة بهذه الروح، وسماه روحا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق}، وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون}، وسماه نورا لما يحصل به من استنارة القلوب وإضاءتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير