تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ ومنها أنْ ليس عند كافرٍ يقين مما هو عليه. بل عناد واستكبار. فالمعتقد الخطأ لا يمكن أن يكون يقينا، بل الذي يجعله شبه يقين هو ما تهوى الأنفس. من حب رياسة أو عرض من عرض الدنيا.

ـ ومنها ـ وهو ما كتبتُ لأجله ـ فساد دعوى احترام رأي (الآخر) من الكافرين والمنافقين، وخاصة المنظرين منهم لباطلهم، فكما رأينا ليس عندهم إلا الظنون، هذا إن لم يبحثوا، وإن بحثوا واستمعوا لخطاب الشرع فلا بد أن ستتولد قناعة عندهم بصواب ما يُدْعَوْنَ إليه وباطل ما هم عليه، إلا أن موانعا تتدخل وتحول بينهم وبين إتباع الدين الصحيح. ولذا نجد في كتاب الله تعالى مثل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70]

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:99]

فهم مقرون شاهدون، يعرفون، ومع ذلك يبغونها عوجا ويصدون عن سبيل الله من آمن.

ونصارى نجران ـ وفيهم نزلت هذه الآيات من سورة آل عمران جادلوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واشتدوا في جداله حتى قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ " لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْن أَهْل نَجْرَان حِجَابًا فَلَا أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي (14) " وهم كانوا يعرفون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرفون أنه نبي، ويتكلمون بذلك فيما بينهم ومع ذلك كانوا يجادلون أشد الجدال وكأنهم أصحاب حق.

ومثل ذلك كثير في السيرة النبوية، وقد عقد لها بن كثير بابا كاملا في كتابه البداية والنهاية جمع من اعترافاتهم الشيء الكثير. لمن شاء المزيد ـ

وأعني بفساد احترام رأي الآخر هنا أن لا نعتقد أنه على شيء، أو أن يقينا رسخ في قلبه فراح يدعو إليه مخلصا يرجو الله والدار الآخرة. وإنما كلهم كذبة يظنون ظنا. أما منازلته وسماع حجته والرد عليها فهذا لا بد منه ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينه.

ومنها أن معرفة هذا الأمر. . أن ما في صدورهم ظنون لا حقائق يعطي لمن يحاورهم جرأة عليهم، فهي قلوب خاوية ليس فيها يقين، وشاكّة تبحث عن الحقيقة، أو تخفيها. وكم حدثنا من أسلموا عن حالهم وهم كفار، كيف كان شكهم وحيرتهم، وصدق الله العظيم. {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى: من الآية 14]

والسؤال الآن: كيف تتحول الحقائق إلى أوهام وظنون؟ أو كيف تتحول الأكاذيب والظنون (الأديان المحرفة والمذاهب الباطلة) إلى شبه حقائق في صدور أصحابها والدعاة إليها؟ أو كيف لا تُنشئ المعرفة بالله واليوم الآخر أثرا في القلب يظهر على الجوارح؟

وأطرحُ هذا السؤال كتعليل لهذه النفسية التي تبقى على ما لا تستيقن منه، وتتكلم بالظنون والأوهام. ما السبب في هذه الحالة؟ كيف تستقر على هذا الأمر؟

وتدبر معي:

يقول الله تعالى مخبرا عن حال المكذبين المعرضين في الدنيا: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63]

ويخبر سبحانه وتعالى عن حالهم يوم القيامة حين يرون العذاب فيقول ـ جل شأنه ـ: ({وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97].

ويقول الله تعالى مخاطبا المكذبين يوم القيامة {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]

التعبير بـ (من) بدل (عن) والتي يقتضيها المعنى المتبادر للذهن في الآيات الثلاث له دلالة، وكأن ذكر الآخرة وما يتبع ذلك من أوامر ونواهي ـ على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا كان سببا في غفلة الغافلين وإعراض المعرضين المكذبين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير