تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلا يمكن أن يكون الجيلاني يسمع جميع الخلائق في وقت واحد على اختلاف لغاتهم وأماكنهم لأن هذا من خصائص الرب سبحانه التي يتنزه الله سبحانه أن يجعلها لأحد من خلقه لأنه سبحانه منزه على أن يجعل لنفسه شريكا معه في صفاته.

وقد قال: "ليس كمثله شيء وهو السميع والبصير "

وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ،وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف].

هذا نص عام ولا يجوز للكتاني أن يرده بحجة أنه يتحدث عن المشركين لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت].

فهذه الآية تبين أن المشركين الأوائل إنما كانوا يدعون غير الله عند الرخاء أما في الشدة فكانوا يدعون الله وحده مخلصين له الدين.

ولكن أنا أسأل الكتاني أنت إذا ركبت البحر وهاجت الريح وخفت الغرق فهل تدعو الله وحده أن يغيثك أم تدعو الجيلاني والبدوي والرفاعي.

قول الكتاني أن الآيات التي نزلت في الكفار لا يجوز أن نحتج بها على المسلمين هو تعطيل للقرآن وعزل له عن الاحتجاج به.

وإن الله سبحانه لم يذكر لنا بالتفصيل سبيل المشركين عبثا ولكنه ذكره لنا تحذيرا

بل إن الله سبحانه يبين لنا في سورة الفاتحة أن صراطه المستقيم هو المجانب لسبيل الكفار فهو غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن تشبه بقوم فهو منهم.

وقد احتج النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين بآية نزلت في الكافرين

فقد جاء في سنن الترمذى - (ج 8 / ص 356) عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- «سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ففي هذا الحديث النبي صلى الله عليه وسلم يحتج بآية نزلت في المشركين على المسلمين وفيه أن اتباع سنن من كان قبلنا يكون في الشرك كما يكون في المعاصي ليس كما زعم الكتاني.

وكذلك احتج الرسول صلى الله عليه وسلم على علي رضي الله عنه بآية نزلت في المشركين وهي قوله تعالى: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.

ففي الصحيحين عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ «أَلاَ تُصَلُّونَ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ «وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً»

جاء في زاد المسير - (ج 4 / ص 233) أنها نزلت في النضر بن الحارث أو في أبي بن خلف.

والمفسرون والفقهاء جميعا يحتجون بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة].

على على حكم قطاع الطريق من المسلمين مع أنها نزلت في الكفار كما صح عن أنس بن مالك في سنن أبي داود وأشار إلى ذلك البخاري في صحيحه.

وجاء في تفسير الرازي - (ج 6 / ص 44):

" قوله {الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأرض فَسَاداً} يتناول كل من كان موصوفاً بهذه الصفة، سواء كان كافراً أو مسلماً، أقصى ما في الباب أن يقال الآية نزلت في الكفار لكنك تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقال القرطبي في تفسيره: (ج 8 / ص 92):

فإن قيل: فعلى هذا يجوز الاستدلال على المسلمين بما أنزل في الكافرين، ومعلوم أن أحكامهم مختلفة.

قيل له: لا يستبعد أن ينتزع مما أنزل الله في المشركين أحكام تليق بالمسلمين.

وقد قال عمر: إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفة وترفع أخرى ولكنا سمعنا قول الله تعالى: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " (2) [الاحقاف: 20].

وهذه الآية نص في الكفار، ومع ذلك ففهم منها عمر الزجر عما يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

فيمكن أن تكون هذه الآية من هذا النوع.

وهذا نفيس وبه يزول الاشكال ويرتفع الإبهام، والله أعلم.

وأما قول ابن عمر الذي ذكره البخاري معلقا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. 21/ 9

فليس معناه أنه لا يحتج بالآيات التي نزلت في الكفار على المسلمين ولكن معناه أن الخوارج جاءوا إلى آيات تذكر أن الكفار مخلدون في النار فجعلوها في المسلمين الذين لم يرتكبوا الشرك والكفر ولكن وقعوا في الكبائر دون الشرك. كقوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير