وإنما قالوا: الأسماء والأفعال وأحرف المعاني لا تفيد عند الإطلاق إلا معنى مطلقا، ولا يفيد جملة مفيدة. فقولنا: (إنسان) لا يفيد من المعاني إلا مطلق الإنسان، وقولنا (خرج) لا تفيد من المعاني إلا مطلق الخروخ، وقولنا (على) لا تفيد من المعاني إلا مطلق الاستعلاء، وهكذا دواليك.
والوجه الثاني من الجواب عن هذا الزعم، أن يقال للنافي:
تأمل هذه الكلمات:
زيتون
رمان
بحر
شمس
ليل
إبل
غراب
بالله عليك ألا يتبادر إلى ذهنك مسمياتها؟!
ولو لم يكن الاسم دالا بنفسه على نفسه لوقع الناس في حرج عظيم ومكروه
وبلاء في مخاطباتهم فإنه إذا هُدِمَتْ هذه الأصول الأولى، بقيت كل أجزاء
الكلام غامضة مبهمة لايدرى المراد منها، فإن جئت بقرينة لتوضيح الكلام
احتاجت القرينة إلى قرينة طالما أنه لا أصل يُرجعُ له لأي كلمة في العربية!!
وهكذا كلما جئت بقرينة احتاج السامع إلى قرينة، ولا نهاية لهذا!
فتأمل بارك الله فيك هذا الكلام.
وأعده بقلبك وعقلك.
فإن أصررت على مذهبك، فإني أسألك أن تخبرني عن قوله تعالى:
((أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى
الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت))
وقوله تعالى:
((فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه))
وقوله تعالى:
((يسبح لله ما في السموات وما في الأرض))
وقوله تعالى:
((كونوا قردة خاسئين))
وقوله تعالى:
((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا))
فأخبرني: ما هذه الأسماء الحمراء التي لونت لك؟
ما هي؟
وهل احتاج الصحابة إلى السؤال عن علمها وتفسيرها؟
وهل في الآيات قرينة أو سياق يعين على فهم المراد منها؟
الابل
السماء
الجبال
الغراب
الحمار
القردة
هذه كلمات لا يدل السياق على المراد بها و لا على معناها، ولا مخرج لك إلا بالإقرار بأنها تدل على نفسها بنفسها.
وصدقني، لم يستفسر الصحابة ولا التابعون ولا السلف ولا الخلف بل
لا أظنك تجرؤ أن تستفسر أحدا عن معناها، لأنها تدل على نفسها من
غير ما حاجة إلى قرينة أو سياق.
وللطرفة وإضفاء شيء من المرح في البحث فإنك تجد أنه:
لم يسأل أحد في كتاب الله عن مثل هذه المسميات ما هي إلا قوما تعرفهم
حينما قال لهم نبيهم:
((إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة))
فقالوا بعد الجواب الأول:
((ادع لنا ربك يبين لنا ما هي))
فانظر أخي الكريم إلى قول الله تعالى ((بقرة))
هل في السياق ما يعين على معرفة المقصود بهذا الاسم؟
لا، ليس في الكلام ما يدل على هذا الاسم، وحتى لفظ (اذبحوا) لا يدل، لأن كثيرا من الأشياء تذبح، و لأنه قد يقال أيضا ما المراد
بالذبح – على مذهبكم – لأن الأسماء لا تستقل بالدلالة على مسمياتها عند عدم وجود القرينة لديكم.
هل تدل كلمة بقرة على المسمى ولو مع عدم وجود قرينة؟
اللهم نعم، ولو ذبحوا أدنى بقرة لكفتهم، كما في بعض الآثار.
قلت: التلبيس في هذا الوجه من الشبهات أكبر من سابقه، وأدل على عدم فهم صاحبه لمذهب المنكرين.
قولنا (إبل) لا يدل إلا على مطلق الإبل، وأما قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) فيدل على عموم الإبل لاتصاله بألف ولام تفيد الاستغراق، أو يدل على جنس الإبل على القول بأنها ألف ولام الجنس. وهكذا، كلما زاد التركيب زادت المعاني، وكلما زاد التجريد نقصت المعاني.
وقصة (البقرة) حجة لنا لا علينا، فإن الآية أمرتهم بذبح (بقرة) أي بقرة مطلقة غير معينة ولا مقيدة بوصف معين من اللون وغيره. . المهم أنها بقرة صالحة للذبح. هكذا يكون الفهم الصحيح للكلام. لكن هؤلاء المتنطعون لا يقبلون هذه الدلالة وأصروا على التنطع، فاستفسروا عن عمرها ولونها وشأنها، مع أن الآية واضحة وضوح النهار أن المقصود (أية بقرة) – أي بقرة مطلقة بغير شرط الإطلاق – صالحة للذبح.
الوجه الثالث: لإبطال هذا الزعم، أن الانسان يقول مستفهما عن شيء يراه ولا يعرفه لكن يريد أن يعرفه:
ما هذا الشيء؟
فيجيبه العالم به:
هذا كذا.
(يذكره باسمه)
ولو كان الأمر كما قال النفاة أنه ليس للأسماء أصل بالوضع، لما صح هذا السؤال و لا واستقام هذا الجواب، لأن كثيرا من الأشياء على مذهبكم قد تأتي في الكلام بلفظ هذا الاسم.
¥