تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالذي يتساءل: من أين يأكل الدعاة؟! .. هذه إجابته: أن الله يطعمهم ويسقيهم كما يرزق الطير، وكما يبارك لأهل الإيمان، وكما يجعل رزقا للمتقي من حيث لا يحتسب ..

ثم ... هل بلغك أنهم يسرقون؟!! .. هل اشتكى أحد أنهم منه يقترضون ثم لا يردون؟! .. هل زعم أحد أنهم أكلوا ماله؟!!!!!! ....

الحمد لله .. هم مكفيون بكفاية الله .. مستورون بستر الله .. متمتعون بفضل الله ..

ثم ... إذا ظهر عليهم ظواهر سعة الرزق وكثرة المال كما يندهش البعض حين يرى ذلك، فليس الأمر كما ترى، إنما هو جمال ستر الله، وعظمة بركة الله، فقد يكون ما ينفقونه قليل وبالنسبة لما يملك الآخرون فتات، ولكن ببركة الله وعدم تشوفهم لما في أيدي الناس وإظهار الغنى: {يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} ..

ولذلك أيضا تجد هؤلاء، ودعني أتكلم عن نفسي شخصيا، لا يكنزون شيئا ولا يدخرون شيئا أبدا، فلا تجده يحتفظ في بيته ببضعة آلاف، لا تجد شيئا من مفردات هذا البضع (من 3 – 9)، ولذلك يظهر أنهم يملكون، والحقيقة أنهم ينفقون كل ما يملكون، فلو طلبت مني مثلا، كما يحدث كثيرا من عشم بعض الإخوة، خمسة آلاف جنيه سلف – مثلا – فوالله لا أملك .. لا أملك .. لا أملك .. صدقني، وقد تقول: والسيارة .. والعمارة .. و .... وأقول لك: هذا من التنعم بما نملك، أما الكنز والاقتناء فلا تجد عندنا شيئا من ذلك .. وصدقني ..

ثم ... لابد أن تعلم أن هؤلاء الدعاة أجراء عند الله، فهو كفيلهم، وبشكرهم لنعمه يزيدهم من فضله ويبارك لهم، وكونهم لا يعبدون الشهوات ولا يتوسعون فيها فالقليل عندهم كثير ..

وقد يقول القائل: ولكن يظهر أن هؤلاء المشايخ أغنياء، وهنا أتذكر كلمة قالها الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم - حفظه الله وأكرمه ورفع قدره في الدنيا والآخرة - حين قال له بعض أهل الجماعات، وكان ذلك في أوائل التسعينات: لماذا لا يقبض على السلفيين؟، فقال - حفظه الله: وهل نلام على العافية؟!، وأنا أجيب بنفس الإجابة: هل نلام على رزق ساقه الله إلينا دون تشوف أو مسألة؟!!

هل نلام على ستر الله وفضله وعافيته؟!!

ثم ... في النهاية – أخي الحبيب – والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبك في الله، أحب في النهاية أن أوجه لك نصيحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فانشغل بنفسك وأصلح حالك، عفا الله عني وعنك ..

جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله وقال له: كم عمرك؟، فقال له الإمام: أقبل على شأنك، وقام ..

يعني (إشارتك خضرا) .. (شق طريقك) .. (سيبنا ف حالنا) .. (خليك ف نفسك) .. (بلاش دوشة) .. أو ما إلى ذلك، هذا معنى كلام الإمام.

وقد رأيت الشيخ على الطنطاوي كتب مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة، فأردت أن أقتبسها منه وأضعها ها هنا وكأنها تحكي أحوالنا، فخذها هنيئا مريئا ,, وارحمونا ...

(نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه.

فقلت " الحمد لله "، أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها، حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟

وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر؟، فقلت لها.

قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم.

قلت: لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير