تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ألا ترون أن هجرها قد طال؟؟ أعمال القلوب]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[06 - 11 - 05, 05:39 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد، وعلى أتباع نبينا من الصحابة والتابعين، وعلى آله وعترته الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً، وبعد.

فإنه لمن العجب الذي لا تكاد تقف له على سبب، أي على سبب مقنع - أن ترى المتدينين من المسلمين اليوم يكادون – إلا النادر الذي يستثنيه الله – يشتركون في الجملة في شيء واحد ويتفقون عليه – رغم اختلافهم في أكثر مسائل الدين – ألا وهو التقصيرُ الشديدُ في أعمال القلوب والانحرافُ البعيد عن صراط الزهد في الدنيا، والميلُ عن جادة الرغبة الأكيدة في الآخرة؛ ولذلك تراهم – إلا من استثناه الله كذلك – يكادون يتفقون أيضاً على التقصير في العلوم المتعلقة بهذه المعاني، أعني مسائل الزهد والتزكية والآداب الإيمانية وما أنفع تلك المسائل وأخطرها لو كانوا يعلمون.

نعم، إن تقصير المسلمين في هذه الأعصر المتأخرة جداً في باب العلم لم يكن مقصوراً على ما تقدم، ولكنهم قد فرطوا في حق طائفة كبيرة خطيرة من العلوم النافعة والمعارف السامية الماتعة التي تحلى بها أسلافنا وكانت من أسباب حياتهم وسبقهم وثباتهم وصدقهم وقوتهم وتفوقهم وكمال علمهم وفقههم وكثرة خيرهم وقلة شرهم؛ كتفسير القرآن وتدبره والتوسع في تعلم لغته من أجل الزيادة في تفهم معانيه ومعاني حديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

إلا أن أهم هذه العلوم التي يكادون على تركها يُطْبقون وعلى نسيانها يتفقون: علمُ التزكية وأعمال القلوب وعلم الأدب والأخلاق، وهما علمان متلازمان وأخَوَان مقترنان، وأولهما يصحح السلوك الديني ويقوّم العمل لله ويصفيه وينقيه من كل ما يبطله أو يبطئه أو يحْبطه أو يضعفه أو يخل به؛ فهو أساس التقوى وملازمة العبادة؛ وثانيهما يحسن التعامل مع الناس ويهذبه ويلطفه؛ فهو أصل الآداب العالية التي هي مادة الأخلاق العظيمة وشجرة الأذواق الرفيعة؛ فما أكثر من أهمل هذين العلمين العظيمين والأدبين الكريمين من المعاصرين وطوى بساطهما، وأعرض عنهما ولم يتعاطهما، أو اختصرهما اختصاراً مخلاً أو اقتصر منهما على ما لا يكاد يذكر أو على ما توهمه منهما وليس منهما أصلاً؛ وما أشد حرمان أهل هذه الأزمنة المتأخرة إذ حرموا منهما وما أكبر خسارتهم بذلك وأعظم مصيبتهم به!

وإذا كان هذا وصف الداء، فما هو يا ترى دواءه؟

إن من أول وأهم ما يعين المرء المسلم – بعد الدعاء والتوكل – على معرفة ربه وعلاج قلبه ويؤدي إلى زيادة يقينه وثبات دينه، ويعينه على الطاعات ويعصمه بإذن الله من المهلكات هو تكرر قراءة القرآن بإخلاص وتدبر وحضور وتبصر وخشوع وتفكر، ودوام ذكر الله بتعظيم لله وحضور قلب وصدق واحتساب، وكثرة مطالعة الصحاح من كتب الحديث النبوي بمحبة ويقين وتفهم، ثم الانكباب على أقوال السلف وأخبارهم وقصصهم وآثارهم بتأمل وإنصاف وسلامةِ قصد وحسنِ تصور، فإن أقوال الصحابة والتابعين وقصصهم في باب الزهد والتزكية وأعمال القلوب ما هي إلا تفسير لآيات وأحاديث هذا الباب، وشرح لها وتقريب، وما هي إلا أقوال وقصص من هم أعلم منا بنصوص الوحيين وأفقه منا في الدين وأعلم منا بالله تبارك وتعالى رب العالمين وأخشى له وأعظم اجتهاداً في مرضاته، فما أنفعها من آثار وما أرفعها من علوم.

نعم، إن آثار سلف هذه الأمة الصالحين وأخبار علمائها المتقدمين العاملين وحكايات عبادها المتقين العالمين وزهادها الثقات المأمونين جواهر غالية لا يكاد يستغني عنها إلا محروم، وأعلاق نفيسة لا يكاد يعرض عنها إلا جاهل مغبون، وكواكب هادية في ليل حالك لا يغمض عينيه عن نورها إلا خاسر أو هالك.

وإنه لمِمّا لا يكادُ يخفى على أحدٍ من أهل العلم والمعرفة بالدينِ شدة الحاجة في مثل هذا الزمن المليء بالفتن إلى معرفة مناقبِ السلفِ الصالحينَ والاطلاعِ على أحوالهم وسيَرِهم، وتدبر كلماتهم وحِكَمِهم، والانتفاع بوصاياهم وعِبَرِهِم، والاقتداء بهم في أمور الدين كلها ما تعلق منها بالقلب أو باللسان أو بالجوارح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير