تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تعرَّفتْ كلية الحديث في المدينة النبوية على مشايخ كانوا شامة في جبين الدهر , ومنهم العلامة حماد بن محمد الأنصاري و والمحدث اللوذعي عبد العزيز آل عبداللطيف (صاحب الكتاب العجيب" ضوابط في الجرح والتعديل") رحمهم الله ومنهم الشيخ محمد بن مطر , وكل هؤلاء عايشتهم وغرفت من معينهم , فكانوا بحاراً في العلم والزهد والإخلاص للعلم والحرص على إفادة الغير.

تزخر الكلية بعدد من النوابغ والأذكياء من خيرة العلماء , فكانت أشبه بحديقة للمحدثين , وربما تحولت إلى باحة لمعركة علمية أو حديثية لا يمكن أن تمرَّ بدون فائدة أو تدوين مؤلف يفيد الأمة.

كان الشيخ عبد العزيز العبداللطيف ومحمد بن مطر تاجاً على رأس الكلية أو عقداً في جيد حسناءٍ وهي كلية الحديث , فقد حملاً هماً واحداً وأحبهما جميع الطلاب , وخدما العلم الشريف بمؤلفات نافعة وغاية في الروعة , وساهما في وضع مناهج الكلية الفريدة في العالم الإسلامي , وتوفيا بمرض واحد وهو السرطان.

يدخل الشيخ محمد بن مطر إلى قاعة الدرس ليدرس منهجه , يصعد على منصة خشبية صغيرة لا يزيد ارتفاعها عن ثلاثين سنتمتر , يجلس على الكرسي في غاية النشاط والحيوية مع أن المرض قد أنهكه أكثر من ستة عشر سنة ولكن لذة العلم والإفادة تكسبه المتعة واللذة التي ينسى بها الأوجاع والأسقام , و يخرج نظارته (إن كان سيقرأ في تدريب الراوي).

يبدأ في الشرح والتحليل عن علم الرجال وكيف تطور أو تدوين السنة والمراحل التي مرت بها مصنفات المحدثين مع تعريف دقيق بهم وبمؤلفاتهم , لايحمل شيئاً من الأوراق يلقي من حفظه مايبهر منه العقول والألباب , يراعي حال الطلاب , غيره من الدكاترة يغرف وهو يمتح , يسهب ومع ذلك يقطع حديثه عند أي سؤال , يستمع , يجيب يقرب المعلومه , لاينهر سائلاٍ أو يوبخ مستفيد , أو ينتقص من قدره , يسير على سجيته بدون تكلف , يذكر العبر والفوائد , يربيهم على سلوك منهج السلف , يحرص على استخلاص العبرة وإيصال المراد من العلم بدون الهرب من موضوع الدرس أو تركه كما يفعل قليل المعلومات.

لم يكن يسمح رحمه الله بانتقاص عالم من أهل السنة , أو جرح مشاعر أهل بلد معينة , أو خروج عن الدرس إلا لفائدة ملحة , أو شيء يتعلق بعلم الحديث , فقد كانت الكلية تعج بفتن يندى لها الجبين.

كان يدفع ذلك بأدب ونصح غير مباشر , وأنّى للطلاب أن يفعلوا ذلك والدرس غني بالفوائد والنوادر والنصائح السريعة والملح التي لا تجعل للطالب فرصة للخروج عن جو الدرس.

القاعة الدراسية في كلية الحديث تحوي ستين طالباً على الأقل , طالب من غانا يجلس بجواره طالب من بنغلاديش ثم طالب من فرنسا وبعده من اندونيسيا ثم أوربا الشرقية ثم طالب صيني وهكذا دواليك من دول وجنسيات العالم يصدق عليهم قول الشاعر الشيخ سفر الحوالي في قصيدة له:

أبناء جامعة المدينة كلهم .................... علم التقى ومنارة العرفان

جاؤك من كل البلاد وبعضهم ............. يمشون في هذه الدنيا بلا أوطان.

قلّ أن يجتمع في فصل ثلاثة طلاب من جنسية واحدة , سوى الجنسية السعودية التي لا يزيد عدد الطلاب منها على ثمانية على الأكثر.

كان المعلم القوي هو الذي يستطيع أن يجمع عقولهم وقلوبهم على ما يقول , بدون أن يشعر احدهم بقصر في الفهم , أو علوٍ في اللفظ أو غرابة في كلمة عامية.

وكل هذه الجنسيات أحبت شيخها العلامة محمد بن مطر , وأحس كثير منهم انه من بلادهم لشدة معرفته بأخبارهم ووصول الإسلام لهم , ومعرفة معاناتهم واحتياجاتهم , بدون أن يتكلف في ذلك أو يجد خطأ في الفهم أو التحليل.

ربما سرقته عبرة وهو يتحدث عن السلف , ربما سكت برهة , يتأوه من صميم فؤاده وهو يتحدث عن موقف السلف الصالح في علم الرجال أو تدوين السنة , فيكون ذلك الموقف والموضع وتلك العبرة الصادقة أفضل من عشرين خطبة لطالب العلم عن حال السلف ومنهجهم في العلم والعمل.

لم يكن يتحدث في درسه عن سرقات ناشري كتبه , أو يتحدث عن جهوده في إقناع التائبين , أو إفحام المخالفين , أو التشفي من جماعة أو حزب , أو بطولاته لما كان طالباً للعلم أو مسافراً في أدغال أفريقيا وجنوب آسيا , ولم يتعرض لخصومه الذين آذوه وسببوا له من المتاعب ما يؤسف له كما سيأتي بيان بعض ذلك , باختصار شديد لم يكن يتكلم في غير العلم أو ما يفيد الطالب في مسلكه وعبادته.

هكذا كان يشرح في مواده سواءً في مادة تدريب الراوي للسيوطي أو تدوين السنة أو علم الرجال ..

تماماً كان كذلك الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف , إلا أن الشيخ عبد العزيز لم يكن ليجلس بل كان يملأ السبورة كتابة وشرحاً وتحليلاً وأمثلة , فطبيعة مادته التي يدرسها (ضوابط الجرح والتعديل) التي كانت جديدة في محتواها تجعله يبقى واقفاً بدون جلوس إلا قبل انتهاء الوقت إن وجد من الوقت متسع لذلك! , وتميز آل عبداللطيف أيضا باستشهاده بالشعر والأدب عند الحاجة إليه لتمليح الدرس , ومع ذلك قرع سمعي قوله يجب أن تفهموا أن لغة العلم غير لغة الأدب والشعر فلغة العلم مضبوطة ومصطلحاته مقيدة , والشعر والأدب كلماته أغلبها استعارات وتشبيهات , ومتى يا طلابي دخل الأدب والشعر كما هو في أبواب العلم أفسده , ومتى دخل العلم بتعريفاته ومصلحاته في الشعر والأدب أفسده.

لو قُدِّر لشخص أن يستمع دروسهما بالذات ويرى حبهما لجميع الطلبة من كل جنس ولون ولسان , ويرى تحلق الطلبة عليهما بعد الخروج من الدرس في حب وفوائد ودعابة مليحة وتواضع علمي نادر , لتمنى الإنسان أن تكون الدنيا مجالس درس وفائدة واجتماع على الخير.

وقديما قال عبد الله بن المبارك:

أيها الطالب علماً ............. ائت حماد بن زيد

فاستفد علماً وحلماً .......... ثم قيده بقيد

وقال أيضاً ابن المبارك يصف مجلس المحدث الشهير مسعر بن كدام:

من كان ملتمساً جليساً صالحاً ....... فليأت حلقة مسعر بن كدام

فيها السكينة والوقار وأهلها ......... أهل العفاف وعلية الأقوام

يتبع إن شاء الله ........

خضر بن سند

الخميس23/ 7/1427

جدة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير