ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[22 - 08 - 06, 07:46 م]ـ
على الجارم .. الشاعر والأديب الملتزم
استحق الأديب الشاعر المصري علي الجارم الذي مرت على وفاته أربع وخمسون سنة، شهادة الأديب الكبير عباس محمود العقاد فيه، عندما قال عنه في تقديمه لديوانه الشعري: "الجارم عالم باللغة، وعالم مع اللغة بفنون التربية وفروعها، وهو الشاعر الذي زوده الأدب والعلم بأسباب الإجادة والصحة، فكان شعره زادا لطالب البيان في عصره، ومثالاً صالحًا للثقافة التي أسهم فيها بأدبه وعلمه"، فهو أديب موسوعي متعدد المواهب، جمع بين موهبة الشعر والنثر الأدبي .. فكان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا ونحويًا وتربويًا، عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي وحافظ وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد وافر في مجال الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي، وتغني باللغة العربية وكان يعتبرها المدخل الطبيعي لوحدة الأمة، وجمع في أدبه بين التراث والمعاصرة، محققًا توازنًا بين ماضي الأمة وحاضرها، وتلخص منهجه الأدبي في الدعوة إلى توحد الأمة العربية التي يجمعها الشرق حدودًا، وتوحدها الفصحى لغة، وتؤاخي بينها الآلام والآمال أفكارًا!.
ولد الجارم في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة عام 1881م، وعاش 67 عامًا منذ مولده وحتى رحيله عام 1949م، وبين مولده ورحيله تلقى دراسته الأولية، وحفظ القرآن في كتاب القرية، ثم التحق بالأزهر وتلقى علومه على يد الشيخ محمد عبده، والشيخ عبدالعزيز جاويش، ثم التحق بدار العلوم وحصل على المركز الأول على دفعته، الأمر الذي أتاح له السفر إلى بعثة علمية في انجلترا عام 1908م مكث بها أربع سنوات، وعاد إلى مصر عام 1912م، وبدأ حياته العملية مدرسًا للغة العربية، وتدرج في السلك التعليمي حتى عين بمجمع اللغة العربية، وصار عميدًا لكلية دار العلوم عام 1942م، وتفرغ بعدها لأدبه وإبداعاته الشعرية.
موهبته الأدبية:
جمع الجارم بين موهبة الشعر وموهبة النثر، فكان نثره لا يقل عن شعره روعة وقوة وجمالاً وبيانًا، وكتب الأقصوصة والقصة والرواية الطويلة، منها قصة "فارس بني حمدان"، و"غادة رشيد" و"شاعر ملك" و"سيدة القصور" و"هاتف من الأندلس" و"الشاعر الطموح" و"خاتمة المطاف".
كما كانت له جهود في التعريب، إذ عرب كتاب "قصة العرب في أسبانيا"، وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب "تاريخ الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال اللغة ألف الكثير من الكتب منها "النحو الواضح" و"البلاغة الواضحة".
وإذا وقفنا عند شعر الجارم نجد أن أولى قصائده كانت بعنوان "الوباء" عام 1895م، عندما اجتاحت جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا المكروب اللعين:
أي هذا المكروب مهلا قليلا
قد تجاوزت في سراك السبيلا
لست كالواو أنت كالمنجل الحصاد
إن أحسنوا لك التمثيلا
يا قتيل (الفنيك) يكفيك قتلاك
فأغمد حسامك المسلولا
الانتماء لدى الجارم:
كان الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة والإسلام، فقد عايش قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت أروع النماذج الشعرية معبرة عن انتمائه الوطني والقومي والإسلامي، فنجد قصيدته "فلسطين" التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتًا، منها:
نفسي فداء فلسطين وما لقيت
وهل يناجي الهوى إلا فلسطينا
نفسي فداء لأولى القبلتين غدت
نهبا يزاحم فيه الذئب تنينا
فقبلوا تراب حطين فإن به
دم البطولة من أيام حطينا
أرض بذلنا بها الأرواح غالية
داعين لله فيها أو ملبينا
ومنزل نزل المختار ساحته
نموت فيه ونحيا مستميتينا
أنرضى أن نرى ميراثنا بددا
ونكتفي بدموع في مآقينا
ثم يعتبر الجارم كارثة فلسطين هي الثانية بعد ضياع الأندلس، فيقول:
أتلك أندلس أخرى فقد نبشت
من حقد سادتهم ما كان مدفونا
سحقًا لسكين فرديناند كم ذبحت
واليوم تشحذ أمريكا السكاكينا
قد شردوا العرب واستاقوا حرائرهم
فأين فتياننا أين المحامونا
العربية ووحدة الأمة:
وكان الجارم عاشقًا للغة القرآن الكريم، احتفى بها في زمن سعى الاستعمار فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل مخ لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم، فدعوا إلى إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها، وكان يرى أن اللغة العربية هي المدخل الطبيعي لوحدة الأمة العربية، فهو القائل:
نزل القرآن بالضاد فلو
¥