كتاب الشيخ عائض القرني: (قصائد قتلت أصحابها) كتاب يجري في هذا السياق، سياق قتل الشعراء بسبب شعرهم، ربما كان الكتاب مثيراً من وجهة قرائية حتى إنه طبع ثلاث طبعات في عام واحد حيث صدرت طبعته الأولى عن مكتبة العبيكان 1423هـ وصدرت طبعته الثالثة في 1424هـ 2003م ووجه الإثارة يرجع إلى أن مسألة القتل تطال أرباب الكلمة من المبدعين الشعراء، الذين هم من أبدعوا فناً تعتز به الأمة العربية وتعتبره فنها الاول وهو فن الشعر الذي وصف بأنه (ديوان العرب) لكن الأكثر إثارة في الأمر أن كتاباً سبق كتاب القرني بسنوات أصدره الشاعر سمير فراج بعنوان: (شعراء قتلهم شعرهم) صدر عن مكتبة مدبولي الصغير بالقاهرة في طبعة وحيدة في العام 1417هـ 1997م أي قبل كتاب الشيخ القرني بست سنوات.
هنا نحن لا نختبىء في مقولة الفرزدق قدر ما نطل بمقولة الجاحظ، فالموضوع مطروح في الطريق، لكن ثمة علامات أو تشابهات بين الكتابين تستثير أول ما تستثير السؤال العلمي الذي لا يختلف اثنان على أهميته: ما مصدر هذه التشابهات، هل بسبب الموضوع نفسه؟ هل لأن عائض القرني اعتمد على كتاب سمير فراج في تأليف كتابه ولم يشر إليه؟ أم أن التشابه مجرد توارد خواطر بين المؤلفين؟ مع الأخذ في الاعتبار الفارق الزمني الذي ربما لا يمنع هذا التوارد!
2 سأعرض هنا للموضوع وبشكل منهجي صرف، فكتاب سمير فراج يتناول 15 شاعراً ممن قتلهم شعرهم وهم حسب ترتيب الكتاب: هدبة بن خشرم، كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، أبو العبر، السليك بن السلكة، الكميت، المتنبي، ابو نخيلة، مزاحم بن عمرو، طرفة بن العبد، أعشى همدان، وضاح اليمن، بشار بن برد، حماد عجرد، وامرؤ القيس.
أما كتاب عائض القرني فيتحدث عن شعراء قتلتهم قصائدهم وهم: المتنبي، طرفة بن العبد، الأعشى الهمداني، صالح بن عبد القدوس، حماد عجرد، دعبل الخزاعي، بشار بن برد، وضاح اليمن، السليك بن السلكة، هدبة بن خشرم، زيادة بن زيد.
ومن استعراض أسماء هؤلاء الشعراء تتجلى هذه النقاط البديهية:
أولاً: اتفق المؤلفان على ذكر الشعراء: هدبة بن خشرم والمتنبي، وطرفة بن العبد، وحماد عجرد، وبشار بن برد، ووضاح اليمن، والسليك بن السلكة، والأعشى الهمداني.
ثانياً: تحدث سمير فراج عن شعراء لم يتناولهم القرني، مثل: كعب الأشقري، عبيد بن الأبرص، الكميت، ابو نخيلة، امرؤ القيس.
ثالثاً: وبالعكس تناول القرني شعراء لم يكتب عنهم فراج مثل: دعبل الخزاعي وصالح بن عبد القدوس.
رابعاً: هذا الاتفاق والاختلاف البسيط لا يعني ان اللاحق لم يطلع على عمل السابق، ولم يتأثر به، بل يؤكد هذا الاطلاع عبر الشعراء المذكورين، عبر المراجع والمصادر والنماذج الشعرية، المختارة، ومن قبل ومن بعد عبر تنفيذ فكرة مطروحة في طريق البحث ولكن نفذت على شكل: (وقوع الحافر على الحافر).
لقد حاول القرني كثيراً (التعفية على الأثر) والطريف أن أول شاعر عند سمير فراج وهو: (هدبة بن خشرم) يرد في كتاب القرني كآخر شاعر مكتوب عن قصة مقتله .. بحيث يتضح للقارىء أن هذا الكتاب غير ذاك الكتاب، وإن كان العنوان يوحي تماما بهذه المشابهة: (قصائد قتلت أصحابها) مع كتاب سمير فراج: (شعراء قتلهم شعرهم)!!
3 أمثلة ونماذج عدة للتشابه بين الكتابين يمكن ملاحظتها لأول وهلة عند تصفح الكتابين، أبرزها: النماذج الشعرية المختارة، وتتالى سرد الحكاية التي تتعلق بسيرة الشاعر مع تعديلات طفيفة، وتشابه التعليقات على كل نموذج شعري مساق، فضلاً عن تلك الاقتبسات من المصادر والمراجع المختلفة هي نفسها تقريبا في الكتابين، وسوف نتخذ نموذجاً واحداً هنا من بين نماذج عدة يتبين فيه هذا التشابه.
ففي فصل عن هدبة بن خشرم وزيادة بن زيد يسرد سمير فراج حكاية مقتلهما كالتالي:
أولاً: يبدأ بتعريف نسب هدبة ولقائه مع زيادة بن زيد، ثم ينتقل مباشرة لنموذج شعري لزيادة بن زيد يتغزل فيه بفاطمة أخت هدبة مطلعه:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
ما دون أن يرى البعير قائما
ألا ترين الدمع مني ساجما
حذار دار منك لن تلائما
ثانياً: يرد هدبة بأن يتغزل في أخت زيادة وكانت تسمى (أم خازم) بنموذج أوله:
لقد أراني والغلام الخازما
نزجي المطي ضمرا سواهما
متى تظن القلص الرواسما
والجلة الناجية العياهما
يبلغن أم خازم وخازما
إذا هبطن مستحيرا قاتما
¥