ثالثاً: يسرد فراج لحكاية الغضب المتبادل بين هدبة وزيادة، وتغزلهما كل منهما في أخت الآخر، حتى صارت عداوة كاملة بينهما ظهرت بوادرها في المعارضات الشعرية. ويأتي المؤلف بجملة من النماذج الشعرية التي تبين ذلك من كلا الشاعرين حتى قتل زيادة، ثم اقتص من هدبة وتم قتله بعد عدة سنوات.
تسلسل الاحداث نفسه، والنماذج الشعرية نفسها هو ما يأتي به عائض القرني، حيث يبدأ أولا بترجمة موجزة لهدبة وزيادة، ثم يعرض للنموذجين الشعريين اللذين عرض لهما فراج في بداية موضوعه:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
ما دون أن يرى البعير قائما
و: لقد أراني والغلام الخازما
نزجي المطي ضمرا سوهما
ويقول سمير فراج ساردا جانبا من الحكاية: (فسبه زيادة، ورد عليه هدبة، وطال بينهما ذلك حتى صاح بهم القوم: اركبا لا حملكما الله فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر فظلوا يعظونهما حتى سكت كل منهما على ما نفسه، لكن هدبة كان أشد حنقاً على زيادة ورأى أنه غلبه وضامه، فقد تغزل في أخته فاطمة وهي حاضرة سامعة، بينما تغزل هدبة في أم خازم أخت زيادة وهي غائبة لا تسمع غزله فيها، فمضيا ولم يكلم أحدهما الآخر حتى قضيا حجهما وعادا إلى مضارب قوميهما.
ويسرد عائض القرني الحكاية نفسها بقوله: (فلما سمع زيادة هذا الرجز شتم هدبة وسبه، فرد عليه هدبة السبب، فصاح بهما القوم: اركبا لاحملكما الله! فإنا قوم حجاج، وخشوا أن يقع بينهما شر، ووعظوهما، حتى أمسك كل واحد منهما على ما في نفسه. وهدبة اشدهما حنقا، لأنه رأى أن زيادة قد ضامه لأنه رجز بأخته وهي تسمع قوله، ورجز هو بأخت زيادة وهي غائبة لا تسمع قوله، فمضيا ولم يتحاورا بكلمة، حتى قضيا حجهما ورجعا إلى عشائرهما).
إن التشابه واضح تماماً في الفقرتين، ولكن ربما يُعزَى ذلك غلى طريقة نقل الحكاية من كتب التراث، لكن السؤال: أتنقل الحكاية بالتعبيرات والألفاظ نفسها، وعدد السطور تقريبا دون تبديل لمعنى أو لكلمة؟
ويستمر التشابه التام في نقل حكاية الشاعرين، حتى النهاية حيث ينقل المؤلفان مشهد مقتل هدبة شعرا ونثرا ولننقل هنا المشهد الأخير من الحكاية بصياغة المؤلفين: سمير فراج: أراد سعيد بن العاص ان يبذل محاولة أخيرة، فقال لعبد الرحمن أخي زيادة: اقبل الدية، وأنا أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقة حمراء، ليس فيها جداء ولا ذات داء، فقال عبد الرحمن: والله لو نقبت لي قبتك هذه ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الأجدع، فلم يزل سعيد يسأله ويزيد في عرضه فيأبى، ثم قال عبد الرحمن: إنه قال بيتاً لو لم يقله لقبلت الدية، أو صفحت بغير دية، والله لو أردت شيئاً من ذلك لمنعني قوله:
لنجدعن بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعوا بهدبة ليقتل فبدت في عينيه حسرة، وما ندم بشر على قول كما ندم هدبة على قوله هذا البيت، واستأذن في أن يصلي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفف، ثم التفت إلى الناس حوله وقال: لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجا إلى إطالتهما، ثم التفت إلى قوم زيادة قائلاً:
فإن تقتلوني في الحديد فإنني
قتلت أخاكم مطلقا لم يقيد
فقال عبد الرحمن: والله لا نقتله إلا مطلقا من وثاقه، ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه
لأقتلن اليوم من لا ارحمه
ثم دفع السيف إلى المسور بن زيادة وقال له: قم فاقتل قاتل ابيك، فقام المسور فضربه ضربتين قتله فيهما.
عائض القرني: فسأل سعيد بن العاص أخا زيادة أن يقبل الدية عنه، وقال له: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، اعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جداء ولا ذات داء فقال له: والله لو نقبت لي قبتك هذه، ثم ملأتها ذهباً، ما رضيت بها من دم هذا الاجدع، فلم يزل سعيد يسأله ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: والله لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
لتجدعن بأيدينا أنوفكم
ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعه حينئذ ليقتله بأخيه.
فلما قرب ليقتل استأذن ان يصلي ركعتين، فأذن له، فصلاهما وخفف، ثم التفت على من حضر وقال: لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجاً لإطالتهما، ثم أنشأ يقول:
فإن تقتلوني في الحديد فإنني
قتلت أخاكم مطلقاً لم يقيد
فقال عبد الرحمن أخو زيادة: والله لا أقتله إلا مطلقاً من وثاقه، فأطلق، فقام إليه وهز السيف ثم قال:
قد علمت نفسي وأنت تعلمه
لأقتلن اليوم من لا أرحمه
¥