تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وها أنت ترى أن هذا السارق الظريف الذي لم تسلم في قلمه عبارة واحدة، لم يكفه ما سرق، ولم يسكت على ما نهب واغتصب، ولم يساوره خوف ولا ندم، ولم يصفر وجهه أو يتغير لونه أو تصطك ركبتاه خجلا وحياء وهو يواجه جمهورا عريضا من القراء، فأني إلا أن يكشف للناس عن خلف رديء، ويزعم الريادة والتقدم، ويدعي أنه بحث ونبش ونقب ولاقى المهالك والصعوبات، وأقذى العين في الاطلاع على المصادر والنوادر وامخطوطات، وأنه فتح الأبواب المغلقة وصارع المصاريع المقفلة حتى أتى بما لم يأت به السابق ومحال أن يدركه اللاحق، وأنا أتحداه أن يدلني على صفحة واحدة (غير ناصعة البياض) يستطيع أن يزعمها لنفسه من بين سائر صفحات هذا (المجموع) الذي لفقه من هنا وهناك، واختطفه من أيدي أصحابه الحقيقيين ليبيعه في السوق العربية على مرأى الجميع ومسمعهم، بدراهم معدودات، أو يرتقي به بعض الدرجات.

أقول. ثم أستغفر الله. فقد ألهمني، وهو الملهم، بعدما كدت أن وأجزم، فأستدرك على ما قلت، وأصحح ما زعمت: فقد تنبهت الى أن للرجل مع ذلك صفحة واحدة كان علي أن أنسبها إليه بلا منازع ولا مدافع، وأقصد بها صفحة الإهداء التي جاءت بعد صفحة العنوان بالطبع، وحفَّها البياض الناصع من كل جانب إلا ما كان من وسطها الذي جاء فيه بالحرف والنص: "إهداء إلى التي كابدت وضحت، وحرقت صفحة حياتها لتنير صفحات كتابي: إلى امرأتي".

فاعجب لهذا السارق إن شئت، لا لخفة دمه وروحه أو لبالغ ظرفه وملاحته فقط، ولكن أيضا لأمانته وصدقه، فهو بعد أن قضى حاجته من النهب والسرقة، واعتكف الليالي على اغتصاب جهود الآخرين، أبي إلا أن يرجع إلى بيته بـ "المحصول الوفير" –كما قال- ويفرغه في حجر زوجته ويقول لها: هذا لك يا عزيزتي. وما علمت المسكينة بالطبع أن ما أهداه لها كان حراما يستحق عليه قطع اليد في الشريعة الإسلامية.

ودع عنك بعد هذا ما قاله في تلك الخاتمة الطريفة من كونه قد "اتكأ على بعض الأبنية السابقة" وهو يقصد بالطبع النصوص التي نهبها وتسلط عليها وتصرف فيها كما شاء. ذلك أن ما فعله لم يكن مجرد اتكاء، وإلا لأسنداته تلك (الأبنية) ودعَّمته حتى يقف على رجليه ويكتسب تقنية البحث الحقيقي وبعرف معنى الأمانة العلمية، فيعزو كل رأي أو قول أو نص إلى صاحبه، ويضع لذلك العلامات الترقيمية الدالة الواضحة، ويعرف أيضا كيف يستفيد منها بالقدر الضروري المباح علميا، ولكن الذي فعله كان سرقة واضحة واعتداء على جهود باحثين سابقين مبيتة ومقصودة، اللهم إذا كان الرجل لا يستطيع أن يميز بين ما هو بحث يُحفظ لصاحبه، ويجازي عليهن وبين ما هو نقل حرفي وسرقة يعاقب عليها.

وصاحبنا هذا، لا يؤاخذ على إثم السرقة وحده، لأنه لم يقف عنده، بل يؤاخذ أيضا على جريرة ما ألحقه بالنصوص المسروقة من تشويه وتحريف وتشويش، كما سنبين بعد قليل. لقد أتى على طائفة من النصوص تختلف في سياقاتها واصطلاحاتها ولغتها وأهدافها فجمع بينها و (ألف)، وأعمل فيها المقص والإبرة: ينقص من هذا قطعة كما يحلو له، ويزيد في ذاك قطعة من نسيج مختلف ولون مغاير، ثم يخيطها بعضها الى بعض، ويصنع منها مرقَّعة يقيسها على حجمه، وبذلك جاء (الكتاب) جبة فيها من كل ثوب رقعة، ومن كل لون قطعة.

ثم حاول أن يداري فعله هذا، ويغطي على سرقته تلك، بضروب من الحيل وألوان من (الصنعة) وأصناف من اللعب بالأيدي ومن الحذلقة، ما أنا ذاكر بعضه فيما يلي:

? فقد يخلط أحيانا بين نصوص مختلفة فيذكر في بداية الصفحة فقرة من كتاب أول ثم يتبعها بفقرة أخرى من كتاب ثان ثم يعود إلى الكتاب الأول فيأتي على صفحة أو صفحات منه .. وهكذا دواكيل.

? وقد يعمد إلى الفقرة الطويلة المكثفة فيفرِّعها الى فقرات عدة، وأحيانا قد يصنع عكس هذا بأن يجمع فقرات قصيرة ويؤلف منها فقرة واحدة طويلة، وربما اكتفى ببضعة أسطر من هنا يدسها في صفحة أو فقرة من هناك، وكل ذلك لإخفاء مسروقاته.

? ومن أصناف الحيل و (الصنعة) في هذا الكتاب أن يدمج بعض الهوامش من نص مسروق في متن النص وصلبه، وربما فعل العكس أي بأن ينزل معلومات من متن النص إلى الهامش ويجعل منها إحالات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير