كان لطلب أبي نعيم العلم في حداثة سنه،وسماعه من عدد كبير من الشيوخ في الأمصار التي رحل إليها، وطول العمر الذي أوتيه أثراً كبيراً في جمعه للحديث حتى بلغ مرتبة عالية في العلم والمعرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثمر ذلك كله مكانة علية، وثناءً حسناً عند من جاء بعده من العلماء الذين عرفوا قدره وعلو منزلته، وسعة علمه،فجاءت منهم شهادات تزكية وثناء عاطر لما وصل إليه من علم بالسنة وعلومها، ولما قام به من تصنيف حسن، وجمع كثير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أقوال العلماء في ذلك:
قال الخطيب البغدادي:" لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين: أبو نعيم الأصبهاني، وأبو حازم العبدوي الأعرج " (طبقات الشافعية الكبرى 4/ 21).
قال أحمد بن محمد بن مردويه:" كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه "
(سير أعلام النبلاء 17/ 459).
وقال ابن خلكان:" كان من الأعلام المحدثين، وأكابر الحفاظ الثقات، وأخذ عن الأفاضل، وأخذوا عنه، وانتفعوا به " (وفيات الأعيان 1/ 91).
وقال ابن نقطة:" رزق من علو الإسناد ما لم يجتمع عند غيره وصنف كتباً حسنةً وحديثه بالمشرق والمغرب وكان ثقة في الحديث عالماً فهماً " (التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد ص 145).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" هو أكبر حفاظ الحديث، ومن أكثرهم تصنيفاً، وممن انتفع الناس بتصانيفه، وهو أجل من أن يقال له: ثقة، فإن درجته فوق ذلك "
(مجموع الفتاوى 18/ 17).
قال الذهبي:" وكان حافظاً مبرزاً عالي الإسناد تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي وهاجر إلى لقيه الحفاظ "
(سير أعلام النبلاء 17/ 459).
و يمكن أن نخلص مما سبق ذكره إلى أهم ما تميز به أبو نعيم رحمه الله حتى كانت له تلك الشهرة والمنزلة:
1 - البيئة العلمية التي عاش فيها في مدينته أصبهان، والتي كانت تزخر بالعلماء.
2 - رحلاته العلمية التي مكنته من مشافهة جمع كبير من علماء عصره في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
3 - حرصه على طلب العلم وجده في تحصيله وجمعه.
4 - طول عمره، فلقد عُمِّر 94 سنة.
5 - علو أسانيده؛ إذ تفرد بالرواية عن أقوام متقدمين، فأمكنه ذلك من إلحاق الصغار بالكبار.
6 - كثرة مؤلفاته التي ربت على مائة كتاب.
7 - كثرة شيوخه، وكثر الآخذين عنه
[بتصرف وزيادة على مافي كتاب ((أبو نعيم وكتابه الحلية)) ص 21 - 22.]
المبحث السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي
أولاً: عقيدته.
الحكم في عقائد الناس أشد من الحكم في دمائهم، والسبيل إلى معرفة ما كان عليه السابقون إنما يؤخذ مما كتبوه لا مما قيل فيهم من غير تثبت ولا سبر لأقوالهم، وقد اضطربت الأقوال في بيان عقيدة أبي نعيم، فقد وصف بأنه أشعري، وأنه شيعي وفيما يلي مناقشة لكل قول:
أ - وصفه بأن أشعري.
ذكره ابن عساكر في طبقات الأشاعرة في كتابه ((تبيين كذب المفتري ص 246))
قال ابن الجوزي:" كان يميل إلى مذهب الأشعري في الاعتقاد ميلاً كثيراً " (المنتظم 8/ 100.)،
ونقل ذلك عنه ابن كثير في البداية والنهاية (12/ 45)،
وبنى على ما سبق الدكتور / محمد لطفي الصباغ في كتابه ((أبو نعيم وكتابه الحلية ص 15)) ووصفه بالغلو في مذهب الأشاعرة.
ولابد من محاكمة لأبي نعيم فيما نسب إليه، فلا نجد شيئاً يشهد عليه، وإنما شهوده أقواله التي نقلها عنه الأثبات والتي تبين براءته مما نسب إليه،
فقد نقل ابن تيمية عن أبي نعيم قوله في علو الباري تبارك وتعالى:" وأجمعوا – السلف – أن الله فوق سمواته عال على عرشه مستو عليه لا مستول عليه كما تقول الجهمية إنه بكل مكان " (مجموع الفتاوى 5/ 160).
و جعل ابن القيم أبا نعيم أحد أئمة أهل الحديث الذي رفع الله منازلهم في العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، وعده من الأئمة الذين يؤخذ بقولهم في الرد على المعطلة والمشبهة، فقال: قول شيخ الصوفية والمحدثين أبي نعيم صاحب كتاب حلية الأولياء قال في عقيدته: " وأن الله سميع، بصير، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، وينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء " (اجتماع الجيوش الإسلامية ص 110).
وهذا ما لا تعتقده الأشاعرة أو تقول به.
¥