تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يأكُلوا، وكانوا يقولون في السِّنَّور والكلب: إمَّا أنْ تطردَه قبل أن تأكلَ وإمَّا أن تشغَلَهُ بشيء يأكله، ولو بعظم، ورأيتُ بعضَ الحكماء وقد سقطت من يده لقمةٌ فَرَفَعَ رأسه، فإذا عينُ غلامٍ له تحدّق نحوَ لقمته، وإذا الغلامُ يزدَرِدُ ريقه لتحلُّب فمِه من الشَّهوة، وكان ذلك الحكيمُ جيِّدَ اللَّقْم، طيِّب الطعام، ويضيِّق على غلمانه، فيزعمون أنّ نُفوسَ السِّباع وأعينَها في هذا الباب أردأ وأخبَث وبينَ هذا المعنى وبين قولهم في إصابة العينِ الشيء العجيبَ المستحسَنَ شِرْكَةٌ وقَرَابَة؛ وذلك أنَّهم قالوا: قد رأينا رجالاً ينسب ذلك إليهم، ورأيناهم، وفيهم من إصابة العَين مقدارٌ من العدد، لا نستطيع أن نجعل ذلك النّسَق من باب الاتِّفاق، وليس إلى ردِّ الخبر سبيل؛ لتواتره وترادُفِه، ولأنّ العِيانَ قد حقّقه، والتجربة قد ضُمّت إليه، وفي الحديث المأثور في العين التي أصابت سَهْل بن حُنيف فأمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بالذي أمَرَ، وذلك مشهور.

كلام في العين والحسد

قالوا: ولولا فاصل ينفصل من عين المستحسِن إلى بدن المستحسَن، حتَّى يكون ذلك الداخلُ عليه هو الناقضَ لقُواهُ لَمَا جاز أن يلقى مكروهاً البتَّة، وكيف يلقى المكروه من انساقَ في حَيزه وموضِعه، والذي أصابته العين في حيّزه أيضاً وموضعه، من غير تماسٍّ ولا تصادُم، ولا فاصل ولا عامل لاقى معمولاً فيه، ولا يجوز أنْ يكون المعتل بعد صحّته يعتلُّ من غير معنى بدنُه، ولا تنتقض الأخلاط ولا تتزايل إلاّ لأمرٍ يعرِض، لأنه حينئذٍ يكونُ ليس بأولى بالانتقاض من جسمٍ آخر، وإن جاز للصحيح أنْ يعتلّ من غير حادث، جاز للمعتلّ أنْ يبرأ من غير حادث، وكذلك القولُ في الحركة والسكون، وإذا جاز ذلك كان الغائبُ قياساً على الحاضر الذي لم يدخل عليه شيء من مستحسِن له، فإذا كان لابدَّ من معنى قد عَمِل فيه، فليس لذلك المعنى وجه إلاّ أن يكونَ انفصل إليه شيء عَمِل فيه، وإلاّ فكيف يجوزُ أن يعتلّ من ذاتِ نفسه، وهو على سلامتِه وتمام قوّتِه، ولم يتغيَّرْ ولم يحدُث عليه مايغيِّره، فهو وجسم غائب في السَّلامة من الأعراض سواءٌ، وهذا جواب المتكلِّمين الذين يصدِّقون بالعين، ويُثبتون الرُّؤيا.

القول في إصابة العين ونحوها

فإن قال قائل: وما بلغ من أمر هذا الفاصِل الذي لا يشعر بِهِ القوم الحضورَ ولا الذي انفصل منه، ولا المارّ بينهما، ولا المتلقِّي له ببدنِه وليس دونهُ شيء، وكيف لم يعْمَلْ في الأقربِ دونَ الأبعد، والأقربُ إنسان مثله، ولعلَّه أن يكون طبعهُ أشدَّ اجتذاباً للآفات، وبعد، فكيف يكون شيءٌ يصرَع الصحيحَ ويُضجِع القائم، وينقُض القوى، ويُمرِض الأصحَّاء، ويصدَع الصَّخر ويهشِم العظْم، ويقْتُل الثَّور، ويَهدُّ الحمار، ويجري في الجَماد مَجراه في النبات، ويجري في النَّبات مجراه في الحيوان، ويجري في الصّلابة والملاسة جريهُ في الأشياء السخيفة الرِّخوة؛ وهو ممَّا ليس له صدم كصدم الحجر، أو غَرْب كغرْب السَّيف، أو حدٌّ كحدِّ السِّنان؛ وليس من جنس السمّ، فيحمل على نفوذ السُّمّ؛ وليس من جنس الغذاءِ فيُحمل على نفوذ الغِذاء، وليس من جنس السِّحر فيقال إنَّ العُمَّار عملوا ذلك من طريق طاعتهم للعزائم، فلعلَّ ذلك إنَّما كان شيئاً وافق شيئاً، قيل لهم: قد تعلمون كيف مقدارُ سَمِّ الجرَّارة أو سمّ الأفْعى، وكيف لو وزنتم الجَرَّارة قبل لسعِها وبعده لوجدتموها على حالٍ واحدة، وأنت ترى كيف تفسَخ عْقدَ بدن الفيل، وكيف تنقض قوى البعير، من غير صدم كصدم الحجر، وغربٍ كغرب السَّيف، وحدٍّ كَحَدِّ السنان، فإنْ قلت: فهل نابُ الأفْعَى وإبرةُ العقرب إلاّ في سبيلِ حدِّ السنان؟ قلنا: إنَّ البعيرَ لو كان إنما يَتَفَسَّخ لطعْن العَقرب بإبرتها لمَا كان ذلك يبلغ منها مقدار النَّخس فقَط، ولكنَّه لاَبُدَّ أن يكون ذلك لأحد أمرَين: إمَّا أن تكون العقربُ تمجّ فيه شيئاً من إبرتها، فيكون طبع ذلك وإن قلَّ يفسخ الفيلَ والزَّندبيل، وإمَّا أن يكون طبعُ ذلك الدَّم إذا لاقاهُ طبعُ ذلك الناب وتلك الإبرة أن يُجمد فيقتل بالإجماد، أو يذيب فيقتل بالإذابة، فأيَّهما كان فإنَّ الأمرَ فيه على خلاف ما صدَّرتم به المسألة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير