بَتْرِ الثدي.
جاء ابنها سعيد ليعودها في المستشفى، فوجد أخاه محمدا الذي كان برفقة والدته إبان
دخولها المستشفى، وجده متأثرا، وبمجرد ما التقى بأخيه قال له باكيا: أخي سعيد:
لقد قطعوا لها الثدي الذي رضعناه، وحملتُه بِيَدَيَّ هاتين بعد أن قطعوه. بعدما
عَادَ سعيد والدتَه الصابرةَ الْمُحتسبة، والتي أثرت بِصبْرِها واحتسابها في
الكثير من الأطباء والممرضات، وكذلك بدعوتها إلى الله حيث تحجبت الكثير من
الممرضات اللواتي قُمْنَ بتمريضها، التقى سعيد بالطبيب الذي أجرى لوالدته العملية
، وكان طبيبا ملتزما بدين الله وصديقا لسعيد، فسأله عن حال أمه، فقال له الطبيب:
لقد تأخرت والدتك كثيرا قبل أن تأتينا، مما جعل الداء يتسرب إلى الجسم كلِّه،
ونحن فعلنا ما نستطيع، لقد تتبعت الداء عند تقطيع الثدي إلى أن وصلت إلى ظهرها،
هذا الذي استطعت فعله (والباقي على الله). فسأله سعيد عن نسبة الأمل في أن تعيش؟
فقال له الطبيب: لا أُخفيك -وأنت مؤمن بقضاء الله وقدره- أن الأمل قليل جدا وهو
بنسبة اثنين في المائة، ولكن الأمل في الله كبير. أم سعيد التي كانت تحمد الله
على كل حال، راضية بقضاء الله، كان لها أمل في الشفاء، فقالت لابنها سعيد: خذني
إلى مكة حتى أسأل الله هناك الشفاء، وأشرَبَ من زمزم وأدعوَ ربي وأسألَه الشفاء،
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (زمزم لِمَا شُرِبَ لَهُ). أخذ سعيد أمه
إلى مكة مع زوجته وابنته سمية (3 سنوات آنذاك) وابنه سلمان (سنتان آنذاك) وكانت
زوجته حاملا بسفيان الذي يبلغ عند كتابة هذه القصة (14 سنة)، وَصَلُوا إلى مكة
المكرمة في أواخر شهر شعبان، قضوا رمضان كاملا في مكة، يشهدون صلاة التراويح في
الحرم، وسعيد يدفع العربة التي كانت تركبها والدته، حيث أنها كانت لا تستطيع أن
تقوم على رجليها، وزوجته تتعب من الحمل الذي أثر على صحتها، مما كان يُذَكِّرُ
سعيد بين الفينة والأخرى -وبالأخص عندما كان يشعر بالتعب- بأمه التي حملته وَهْناً
عَلَى وَهْنٍ، مما كان يزيده قوة ونشاطا في خدمة والدته، التي مهما فعل لن يستطيع
أن يرد لها الجميل. خلال المدة كلِّها كانت أم سعيد تدعو بالبكاء الشديد والتضرع
والافتقار والانكسار بأن يشفيها الله من هذا المرض الذي عجز عنه البشر، وكانت تدعو
موقنة بالاستجابة. وبعد انقضاء شهر رمضان بدأ يظهر تحسن على صحة أم سعيد، فَجِيءَ
بها إلى مكة وهي تركب العربة، ورجعت تمشي على رجليها وقد شفاها الله، لدرجة أنه
لم يبق أثر للمرض، وكأنه لم يكن بها شيء، وما ذلك على الله بعزيز، (وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم). استمرت على هذا الحال وهي في صحة جيدة قرابة إحدى عشرة سنة،
وقد نذرت ما تبقَّى لها من عمرها في طاعة الله تعالى والدعوة إلى دينه. وبما أنها
رأت استجابة دعائها في هداية ابنها ثم في شفائها، بدأت تطمع في أعلى درجات الجنة،
فأصبح دعاؤها (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتة في بلد رسولك). وفي صيف سنة
2001 م، كان الحر شديدا في المغرب على غير عادته، فقال لها ابنها سعيد الذي كان
في زيارتها: إن شاء الله في الصيف القادم سأركب لك مكيفات للتبريد في البيت (حيث
إن الطقس في المغرب عادة لا يتطلب تركيب مكيفات نظرا لاعتدال الجو هناك) فقالت له
: الصيف القادم؟ وهل سأعيش يا ابني إلى أن يصل الصيف القادم؟ لا .. لا .. أحس يا
ابني أن الأجل قد اقترب وأسأل الله أن يقبض روحي في مكة ويختم علي بخير، وبدأت
تبكي. سبحان الله العظيم!! كانت تقول هذا الكلام وهي في مدينة الرباط بالمغرب
وتبعد عن مكة بحوالي سبعة آلاف كيلومتر!! ولكن الله على كل شيء قدير، وهو القائل
في الحديث القدسي الذي يرويه عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا عند ظن عبدي بي)
. وبعد مرور شهور قليلة يأتي الخبر إلى سعيد وهو في قطر، بأن والدته مريضة وستدخل
إلى المستشفى كي تُجرى لها عملية جراحية، سافر إليها بمجرد سماعه للخبر، فوجدها
في المستشفى وهي على فراشها تدعو إلى الله وتذكر كل من يعودها أو يشرف على تمريضها
، تذكرهم بالله، مما جعل الكثير من الممرضات والمريضات يلبسن الحجاب ويَتُبْنَ إلى
الله. وخلال مقامها في المستشفى عادها برفقة ابنها الفنان المغربي المعروف عبد
¥