تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذلك - أيضاً - مما يعين على الإخلاص الزهد في الدنيا فإن الإنسان إذا احتقر الدنيا وأهانها جاءته صاغرة ذليلة ولا يجتمع في قلب الإنسان العلم والدنيا فإما علم يراد به وجه الله، وإما دنيا تأتي على ما هناك فلا يجتمع إرادة الدنيا وإرادة وجه الله-جل جلاله-، ولذلك قال-تعالى- في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) فيخلص الإنسان لوجه الله-جل جلاله- ويعلم أنه إذا ترك الدنيا أقبل على الآخرة فهذه من الأمور التي تعين على الإخلاص في العلم، وكلما وجدت الإنسان نزيهاً عفيفاً عن الدنيا معرضاً عنها دون غلو وتنطع كلما وجدته أصدق الناس في العلم وأصدقهم في ضبطه وتحصيله ونفع المسلمين، وكذلك انتفاعه هو بعلمه الذي يحمله - نسأل الله العظيم أن يبلغنا ذلك -، والله - تعالى - أعلم

وفي شرحه لدروس الترمذي: بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ جاءه السؤال التالي:

في قول النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: ((لأن يهدي الله بك رجل واحداً خير لك من حمر النعم)) هل هذه الهداية هي هداية الكافر إلى الإسلام أم هداية العاصي إلى الطاعة أم كلتا الهدايتين؟ بماذا يوصى السالك في طريق الهداية؟

الجواب:

أما بالنسبة لسياق الحديث وسباق الجملة فإنها خاصة بالهداية إلى الإسلام؛ وذلك أن النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال هذه الكلمة لعلي-1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأرضاه- يوم خيبر، ولا شك أنهم نازلون بساحة يهود بخيبر وهم على الكفر يدعوهم إلى الإسلام كما أمر به-عليه الصلاة والسلام- في سياق الحديث نفسه، فالسياق يقتضي تخصيص بالهداية إلى الإسلام.

وأما بالنسبة لعموم اللفظ فاللفظ يشمل جميع الهداية: ((فالآن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) أي وربي؛ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً في شرائع الإسلام كلها قليلها وكثيرها صغيرها وكبيرها وظاهرها وباطنها سرها وعلانيتها كلها ما هدى عبدا إلى شيء منها إلا جعل الله له في ميزان حسناته مثاقيل الحسنات، وأوجب له رفعة الدرجات، فكم من سنة تكلم بها العبد! مخلصاً لوجه الله-سبحانه وتعالى - هادياً وداعياً إلى الله بها سمعتها أمم وانتفعت بها أمم وكتب الله له مثل أجر من عمل بتلك السنة إلى قيام الساعة، فُيكتب له أجر من سمع وأجر من عمل بعد سماعه، وأجر من تعلم ممن سمع منه إلى قيام الساعة، وهذا فضل العظيم فإن من دعاء إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى قيام الساعة لا ينقص من أجورهم شيئاً، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((أن العبد إذا نشر له ديوانه وأقيم له ميزانه جاءت أعمال كالغمامات فيقول يا رب ما هذا؟ فيقول سنن هديت إليها كان لك كأجر من عمل بها)) فالعاملون بالعلم هم وما عملوا به وما علموه في ميزان حسنات من تعلم منه فهذا فضل عظيم لكل من دعا إلى الله، ولذلك تهون المشاق والمتاعب، وتذلل المصاعب في سبيل الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة لله، وإقامة حجة لله على خلق الله، فمن حمل هذا النور بين دفتي صدره وهو يرجو رحمة ربه، وتكلم به والجنة والنار بين عينيه، ودعا إليه وهو يرجو رحمة الله فيما يقوله وما يدعو إليه فإن الله-سبحانه وتعالى - يكتب له كلماته، بل يكتب له حروف الكلمات، وتسطر تلك الكلمات في ديوان عمله يراها أمام عينيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولا يمكن أن ينتفع الداعية لدعوته وكلمته ونصيحته وإرشاده ودلالته إلا إذا أراد وجه الله وابتغى ما عند الله فعظمت الآخرة في عينيه وامتلأ بها قلبه فأصبحت أكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله فعندها لا يبالي بأي مشقة ولا يبالي بأي تعب ولا نصب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير