تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القبضة، فظاهر لأن المعنى أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة فإن قيل ما وجه قراءة من قرأ قبضته بالنصب، قلنا جعل القبضة ظرفا وقوله {مطويات} من الطي الذي هو ضد النشر كما قال تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل} (الأنبياء: 104) وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه، ثم قال صاحب الكشاف: وقيل قبضته ملكه ويمينه قدرته، وقيل مطويات بيمينه أي مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يقبضها، ولما ذكر هذه الوجوه عاد إلى القول الأول بأنها وجه ركيكة، وأن حمل هذا الكلام على محض التمثيل أولى، وبالغ في تقرير هذا الكلام فأطنب، وأقول إن حال هذا الرجل في إقدامه على تحسين طريقته، وتقبيح طريقة القدماء عجيب جدا، فإنه إن كان مذهبه أنه يجوز ترك الظاهر اللفظ، والمصير إلى المجاز من غير دليل فهذا طعن في القرآن وإخراج له عن أن يكون حجة في شيء، وإن كان مذهبه أن الأصل في الكلام الحقيقة، وأنه لا يجوز الدول عنه إلا لدليل منفل، فهذا هو الطريقة التي أطبق عليها جمهور المتقدمين، فأين الكلام الذي يزعم أنه علمه؟ وأين العلم الذي لم يعرفه غيره؟ مع أنه وقع في التأويلات العسر والكلمات الركيكة، فإن قالوا المراد أنه لما دل الدليل على أنه ليس المراد من لفظ القبضة واليمين هذه الأعضاء، وجب علينا أن نكتفي بهذا القدر ولا نشتغل بتعيين المراد، بل نفوض علمه إلى الله تعالى، فنقول هذا هو طريق الموحدين الذين يقولون إنا نعلم ليس مراد الله من هذه الألفاظ هذه الأعضاء، فأما تعيين المراد، فإنا نفوض ذلك العلم إلى الله تعالى، وهذا هو طريقة السلف المعرضين عن التأويلات، فثبت أن هذه التأويلات التي أتى بها هذا الرجل ليس تحتها شيء من الفائدة أصلا، والله أعلم.

@16@ # واعلم أنه تعالى لما بين عظمته من الوجه الذي تقدم قال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} يعني أن هذا القادر القاهر العظيم الذي حارت العقول والألباب في وصف عظمته تنزه وتقدس عن أن تجعل الأصنام شركاء له في المعبودية، فإن قيل السؤال على هذا الكلام من وجوه الأول: أن العرش أعظم من السموات السبع والأرضين السبع، ثم إنه قال في صفة العرش {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة: 17) وإذا وصف الملائكة بكونهم حاملين العرش العظيم، فكيف يجوز تقدير عظمة الله بكونه حاملا للسموات والأرض؟ # السؤال الثاني: أن قوله {والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} شرح حالة لا تحصل إلا في يوم القيامة، والقوم ما شاهدوا ذلك، فإن كان هذا الخطاب مع المصدقين للأنبياء فهم يكونون معترفين بأنه لا يجوز القول بجعل الأصنام شركاء الله تعالى، فلا فائدة في إيراد هذه الحجة عليهم/ وإن كان هذا الخطاب مع المكذبين بالنبوة وهم ينكرون قوله {والارض جميعا قبضته يوم القيامة} فكيف يمكن الاستدلال به على إبطال القول بالشرك؟ # السؤال الثالث: حاصل القول في القبضة واليمين هو القدرة الكاملة الوافية بحفظ هذه الأجسام العظيمة، وكما أن حفظها وإمساكها يوم القيامة ليس إلا بقدرة الله فكذلك الآن، فما الفائدة في تخصيص هذه الأحوال بيوم القيامة؟ # الجواب عن الأول: أن مراتب التعظيم كثيرة فأولها تقرير عظمة الله بكونه قادرا على حفظ هذه الأجسام العظيمة، ثم بعد تقرير عظمته بكونه قادرا على إمساك أولئك الملائكة الذين يحملون العرش. # الجواب عن الثاني: أن المقصود أن الحق سبحانه هو المتولي لإبقاء السموات والأرضين على وجوه العمارة في هذا الوقت، وهو المتولي بتخريبها وإفنائها في يوم القيامة فذلك يدل على حصول قدرة تامة على الإيجاد والإعدام، وتنبيه أيضا على كونه غنيا على الإصلاق، فإنه يدل على أنه إذا حاول تخريب الأرض فكأنه يقبض قبضة صغيرة ويريد إفناءها، وذلك يدل على كمال الاستغناء. # الجواب عن الثالث: أنه إنما خصص تلك بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا، فكذلك ظهر كمال قدرته عند خراب الدنيا والله أعلم. # واعمل أنه تعالى لما قدر كمال عظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريقة أخرى تدل أيضا على كمال قدرته وعظمته، وذلك شرح مقدمات يوم القيامة لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم، فقال: {ونفخ فى الصور فصعق من فى * السماوات *ومن فى الارض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} واختلفوا في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير