6. وفي تضاعيف ذلك يقول الرسول في مسألة الخلق إن ذلك [الخلقَ] خلقُه وإن "كُلٌّ به كُوِّنَ وبغيره لم يُكَوَّن شيء مما كُوِّن" [7]ـ بهذا يفند [الرسولُ يوحنا] حكمة الكذابين الضالة. ليس [خلقُ العالم] خلقَ الإله الشِّرِّير والمُرعِب، بل خلق [إله] عادل يبغض الشر. إن هذا رأي الجهلة الذين لا يأخذون بأسباب عناية الخالق، المصابين بعمى البصر والبصيرة معاً.
7. يبدو مما سبق أن الفريقين لم يوفقا إلى معرفة الحقيقة. ولقد فهم كلٌ منهما الأمر على طريقته، فالفريق لأول [فهمه هكذا] لأنه لا يعرف إله العدل، والفريق الثاني لأنه لا يعرف الإله الآب، وهو الإله الحق!
8. بقي لنا، نحن الذي وفقنا إلى معرفة [الإلهين] الاثنين ... أن نبين لك ماهية الشريعة [= التوراة] وماهية المشرع والجهة التي أوحت بها! ونريد في هذا المجال أن نبرهن لك على ذلك من خلال كلمات مخلصنا، وهي الكلمات التي تكفينا مؤونة اللجوء إلى مفهوم الكائنات. [8]
1.4. يجب أن تعلمي قبل كل شيء أن الشريعة الموجودة في كتب موسى الخمسة ليست من عند إله واحد! أعني أن هذه الشريعة ليست كلها واردة من عند إله واحد، لأن فيها حدوداً أضافها الناس إليها. وتعلمنا كلمات المخلص أن هذه الشريعة ذات ثلاثة مصادر.
2. فالمصدر الأول هو الله وشرعه، والثاني هو موسى ـ ليس بصفته نبياً يوحى إليه، بل بصفته إنساناً أضاف إلى الشريعة [الموحاة إليه] حدوداً من عندياته ـ، والثالث هو أحبار الأمة الذين ارتأوا إضافة حدود بعينها إلى الشريعة [الموحاة]
3. أما كيف يمكن لنا أن نبرهن على ذلك من خلال كلمات المخلص، فهو ما سوف تتعلمينه الآن!
4. تحدث المخلص ذات مرة مع أولئك الذين سألوه عن الطلاق المسموح به [في شريعة التوراة]، وقال: "إن موسى لأجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولم يكن من البدء هكذا"، "لأن الله"، حسب المخلص، "جمع بين الزوجين، وما جمعه الله فلا يفرقه إنسان". [9]
5. يبدو من ذلك أن شرع الله، الذي يحرم انفصال الزوج عن الزوجة، ليس هو شريعة موسى، التي تبيح الطلاق بين الزوجين، بسبب "عنت القلوب".
6. وهكذا أعلن موسى شريعة متناقضة مع شرع الله، لأن "الطلاق" ضد "عدم الطلاق"!
وإذا حاولنا فهم السبب الذي جعل موسى يقوم بذلك، اكتشفنا أنه لم يفعل ذلك بمحض إرادته هو، بل نتيجة للضرورة التي أملاها عليه ضعفُ أولئك الناس المعنيين بتلك الشريعة [= اليهود] ...
7. ... لأنه لم يكن بمقدورهم تحقيق إرادة الله بتحريم الطلاق، وهي الإرادة التي اعترض عليها بعض الناس الذين كانوا يعيشون [أشقياء] مع أزواجهم، ولكي يتم تفادي المزيد من الشقاء ومن ثم الضلال ...
8. ... فإن موسى أراد أن يتفادى هذا الاعتراض وهذا الشقاء والضلال الناتجين عنه؛ لذلك أضاف حكماً ثانياً [= إباحة الطلاق] إلى الحكم الأول [= تحريم الطلاق] مستبدلاً بذلك شراً كبيراً بشرٍ أصغر منه هو إباحة الطلاق! وقد فعل موسى ذلك بمحض إرادته ...
9. ... لأنهم، عندما لم يكن بمقدورهم احترام الحكم الأول، احترموا الحكم الثاني وبذلك لم ينتهوا إلى الظلم والغضب المؤديَيْن إلى الضلال.
10. إن هذا هو رأيه الذي جعلنا نصنفه رجلاً أضاف إلى شرع الله حكماً مضاداً له! ولقد بينا بأن شريعة موسى مغايرة لشرع الله، وهذا أمر واضح غير قابل للجدل حتى وإن اقتصرنا في البرهنة عليه على هذه النقطة الواحدة فقط!
11. أما بالنسبة إلى وجود أحكام قام الأحبار بإضافتها إلى الشريعة [الموحاة]، فهذا واضح من قول المخلص: "أَكْرِمْ أباك وأمك لكي يطول عمرك في الأرض [التي يعطيك الربُّ إلهُك] ". [10]
12. ويضيف المخلص قائلاً: "لقد قلتَ [موسى] " لحكماء القوم: "من نعمة الله عليكم أنه بعثني إليكم لمساعدتكم؛ ولكنكم عطلتم شريعة الله من أجل سنن الأقدمين"! [11]
13. وهاهو إشعياء يصرخ: "إن هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه بعيد مني. إنما مخافته لي وصية بشر تعلموها". [12]
14. وبذلك نكون برهنا أن التوراة مكونة من ثلاثة أجزاء، لأننا نرى فيها شريعة موسى [نفسه]، والشريعة التي أضافها الأحبار، وشريعة الله! [13]
إن هذا التصنيف للتوراة، الذي برهنا عليه، قد أبان الحقيقة الكامنة فيها!
¥