1.5. أما الجزء الإلهي من شريعة الله، فيُقسَّم بدوره إلى ثلاثة أجزاء: [أ] الشريعة الخالصة، التي لم تختلط بشر ـ والتي يصح تسميتها "بالشريعة الحقة" ـ والتي لم يأت المخلص من أجل حَلِّها بل من أجل إتمامها [14]، لأن ما أتمه المخلص منها لم يكن صادراً عن مصدر آخر لكنه أتمها لأنها كانت ناقصة. [15] [ب] الشريعة المختلطة بالشر والظلم، وهي الشريعة التي حَلَّها المخلص لأنها لا تنسجم مع طبيعته [اللاهوتية].
2. وأخيراً [ج] الشريعة الرمزية التي نشأت نتيجة للعالم الروحاني والغيبي. لقد حوَّل المخلص هذا الجزء من التوراة ونقله من العالم المادي الحسي إلى العالم الروحاني الغيبي. [16]
3. إن شريعة الله الخالصة الحقة، التي لم تمتزج بالشر والظلم، هي "الوصايا العشر"، التي أنزلت [على موسى] في لَوحَيْن لتحريم ما يجب على الإنسان تجنبه، والتحفيزِ على ما ينبغي على الإنسان فعله. مع ذلك احتاجت هذه الشريعة [الإلهية] إلى إتمام المخلص لها، لأنها لم تكن كاملة [17]!
4. إن الجزء الذي اختلط بالشر والظلم، هو تلك الشريعة التي تكافئ الخطيئة بالخطيئة! إنها تنص على مجازاة العين بالعين والسن بالسن، أي معاقبة القاتل بالقتل [18]. إذ يرتكب الذي يعاقب القاتل بالقتل خطيئة لا تقل ظلماً عن خطئية الفاعل الأول إذا تغير ترتيب [القتل]، لأن الفعل في الحالتين واحد! [19]
5. كان هذا الحد، ولا يزال، قصاصاً، لأنه سُنَّ بسبب ضعف هؤلاء، الذين أُنْزِلَتْ الشريعة من أجلهم، فارتكبوا بسَنِّهِ تجاوزاً بحق الشريعة الإلهية الخالصة. إنه حدٌّ لا ينسجم البتة مع طبيعة الإله الآب، ومع رحمته. [20]
6. ربما كان ذلك الحدُّ طبيعياً، وربما كان ضرورةً! لأن الذي لا يبيح القتل تطبيقاً لقوله "لا تَقتُلْ" [21]، يَسْتَنُّ ـ بإعطائه أمر قتل القاتل ـ شريعةً ثانيةَ، ويميز بين قَتلَيْن! بذلك أباح الذي حرَّمَ القتل لنفسه أن يصبح ضحية للضرورة! [22]
7. لذلك قام الابن [= المسيح]، الذي صدر عن [الإله] الآخر، بحلِّ هذا الجزء من الشريعة وذلك على الرغم من تسليمه بأن ذلك الحد [23] من عند الله، وذلك في الوقت الذي يحسب هذا الجزء مع الأجزاء التي تحسب من العهد القديم، خصوصاً عندما يقول: "من لم يكرم أباه أو أمه فليقتل قتلاً". [24]
8. أما الجزء الرمزي من الشريعة، والذي نشأ نتيجة للعالم الروحاني والغيبي، فهو الجزء الذي سُنَّ نتيجة لظروف وحالات معينة. وأعني بذلك الحدود المتعلقة بالقربان والختان والسبت والصوم والفصح والخبز الفطير وما أشبه ذلك من السنن. [25]
9. إن هذه السُّنَن رموزٌ تم تحويلها، بعد ظهور المخلص، تحويلاً؛ فأُلْغِيَتْ ظاهرياً، واحتُفِظَ بها روحانياً! بقيت الأسماء كما هي، ولكن المسميات تغيرت! [26]
10. أجل، أمرنا الله أمرنا بتقريب القرابين، ولكن ليس من خلال البهائم التي لا تعقل، وليس بحرق البخور، بل بواسطة الحمد الروحاني، والتمجيد، والشكر، وإيثار الآخرين والإحسان إليهم!
11. كما يريد الله منا أن نختتن، ولكن ليس بإزالة القُلْفَة عن الذكر ... بل بتطهير القلب بالروح. [27]
12. كما يريد بالسَّبْتِ منا أن نبتعد من كل الأعمال الشريرة!
13. أما بالصوم، فإن الله لا يريد منا أن نصوم صوماً جسدياً، بل يريد منا صوماً بالروح، أي الامتناع عن الشر وما إليه.
نعم، يصوم الناس عندنا صوماً جسدياً؛ وهذا الصوم مفيد للروح إذا أُعْمِلَ العقل في اتباعه، أي إذا لم يلتزم الناس به من أجل استفزاز الآخرين، أو من أجل العادة، أو إحياء لذكرى يوم ما، حتى وإن كان ذلك اليوم يستحق ذلك! [28]
14. نصوم نحن، في الوقت نفسه، [صوماً ظاهرياً] للتذكير بالصوم الحقيقي، لأن هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يصوموا [صوماً حقيقياً]، يستذكرون بالصوم الجسدي الظاهري، ذلك الصوم الحقيقي الذي نعنيه!
15. الأمر نفسه ينطبق على الفصح والخبز الفطير. لقد أبان القديس بولص ضرورة اعتبارهما صورةً روحانيةً بوضوح حين قال: "فإنه قد ذُبِحَ فِصحُنا، المسيحُ، لكي تصبحوا فطيراً [حلواً] بدون خمير"! ولا يقصد القديس بولص بالخمير "الفطير الحلو" [كما يفهمه اليهود]، بل يقصد الشر! [29]
¥