تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومضت أيام من العذاب .. قضاها علي بصمود وصبر وإيمان بالله الواحد القهار .. نعم .. هو وحده القادر على تسيير السحاب وهزيمة الأحزاب، ولم يكن قلبه وحيداً في ذلك العالم الموحش، بل كانت معه أم صبور حنون بكل معاني الكلمة .. تشد أزره وتقوي عزائمه .. أم تتعب بالنهار في مساعدة النسوة العجائز، وتسهر في ليلها على راحة المرضى ومداواة آلام الجرحى .. ودارت الأيام ومرت بصبر حيناً وألمٍ حيناً آخر، حتى كبر علي، واشتدّ عوده؛ بفضل – الله تعالى أولاً وأخيراً- ثم أمه التي ضحت من أجله كثيراً، ولكنّ ذلك الصدر الحنون الذي كان يبكي فيه علي ويخرج فيه كل طاقاته وأحزانه المشتعلة، لن يظل هكذا طويلا ...

فهذا هو يوم أراد الله تعالى لعليّ أن تكتمل أحزانه، ويُؤخذ منه الشعاع الذي كان يبعث الأمل في طريقه وحياته ..

نعم .. هو يوم لا تنساه ذاكرة علي أبداً مهما طال الزمن، ما زال يرى نفسه أثناء عودته من مدرسته .. ودبابات الاحتلال في كل مكان في مخيمه، تهدّم هنا بيتا، وتدمر هنا مسجداً وهنا يهرول مسرعا إلى بيته؛ ليحتمي به .. لكنّ الأمل في الحماية قد ضاع بين حبات الرمال، وقذفته الرياح بعيداً .. فلم يعد له مكان في الوجود .. فقد رأى بيته رماداً يطير هنا وهناك، وكتبه قد نثرت على التراب، وأوراقه قد مزقت من الظلم والقهر والاستيطان ...

أخذت دقات قلبه تهرع فزعا: " .. أمي ... أمي .. !! "، فأخذ ينقب بين الأنقاض، فرأى جثة الأم العصوم ملقاة، وقد انتقلت روحها إلى بارئها برضا من الله وشهادة في سبيله.

" .. أماه .. قد لحقتِ بجدي وأبي .. فهل ألحق بكِ .. ؟!! " قالها وقلبه قد مزق كمداً، واحترق ثائراً غَضِباً .. احتضن فؤادُهُ أمَّهُ وعانقها بحرارة، ليرى ابتسامة الكبرياء ترتسم على وجهها، وريح المسك قد عطرت ثيابها .. وتفارقت الأجساد .. لكنّ القلوب ما زالت معلقة بحبل الوصال، ليكون آخر لقاء بينهما في الحياة الدنيا، وبذلك قد ذهب أمله أخير في دنياه .. كأنّ ربّه يناديه ليلتجِئ إليه؛ فقد ضاقت به الدنيا بما رحبت، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، فيتودد إليه ربه قائلا ً:

"عبدي .. هل لكَ الآن معين سواي .. هل لك إله غيري .. ؟! "

أُخذ منه الحبيب والقريب والمعين ولم يبقَ سوى الله تعالى ..

ومنذ تلك اللحظات عزم بإصرار على الثأر من المعتدين ..

فنظر إلى العالم من حوله، وقال: "أين أمتي .. أين عروبتي .. أين قلوبكم .. أين هي قلامكم .. ؟؟؟!! " صرخات تتبعها صرخات من مرارة العذاب ..

عاش وأمله في شعب العرب وإخوانه من دم العروبة والشهامة، كان يهرع كلما رأى الصمت على ألسنتهم .. والخوف من المغتصبين مزروع في قلوبهم ..

" .. ما هذا العجز الذي تملّك قواكم .. إننا نباد .. إننا نموت .. ننا نفنى .. كن .. أين أنتم .. هل أنتم قادمون؟ .. هيا تعالوا .. تعالوا إلينا .. فإنا منظرون .. ".

كان الأمل يراوده .. ظنّ أنّ شهامتنا عالية، ورجولتنا شامخة، وإيماننا صادق ..

لكنّ الواقع مر .. والحقيقة أمرّ وأعظم ..

ومع هذا ظلت عزيمته قوية إلى يومه هذا، وأمله في الله وفينا كبير بأن ننصره ونشد من أزره ..

توقفت ذاكرته عن رؤية الماضي المرير الذي يستمد قواه من عواقبه، لكن أمله في العرب ما زال مطبوعاً على قلبه.

وتابع سيره في طرقات بلدته، لكن أقدامه يجب ألاّ تطأ أرضا بها ظلم بعد اليوم .. كان عليه أن يقضي عمره في مكان آخر يحيا فيه حياة هنية بعيدا عن أي مباداة واغتصاب لحقوقه .. حان يوم عرسه، آن الأوان ليزفّ إلى جنان الرحمن بملائكة من نور؛ فيلبس من نور، ويمشي على نور، ويفرش له من نور؛ ليرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ.

انطلقت رصاصة غادرة .. تلقّاها علي بابتسامة صادقة ملؤها النقاء، وفرحة قلبه للقاء الله تعالى، فاخترقت قلبه الطاهر؛ لتخرج روحه الطيبة الأبية برضى من الله ورب غير غضبان، فتحفظها ملائكة الرحمن وتخرجها من جسده .. كما تسيل القطرة من فم السقاء.

لقد رحل شهيدنا إلى حياة أكرم، ولكنّ أمله ظل باقيا صامدا .. ربما تحاول الأيام أن

تلاشيه وتقبره .. لكن ..

هل لنا أن نحيي الأمل من جديد، ونحوّل خذلاننا نصرا ما بعده نصرا ..

هيا يا شباب الأمة .. فكم هكذا نوم بغير يقظة! .. فلنعلن ثروتنا .. ونعيد الأمل إلى قلوب المظلومين ..

فلنحط آلامنا وأحزاننا بسور الصمود والحزم، ونعيد العزة لإسلامنا وأمتنا ..

قبل فوات الأوان ...

http://www.tahmeel.com/up/03/1067064938.gif

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[07 - 11 - 2003, 11:46 م]ـ

أهلا يا دمعة التوبة الصادقة

شكرا لإجابتك دعوتي

وأتمنى أن أرى لك المزيد على صفحات منتدى الإبداع

قصتك نجحت في نقل مشاعر الفتى تجاه ما يحدث له

ولكن ألا تلحظين أن الخطاب الدعوي في النهاية لا يناسب القصة؟

كنت أتمنى أن أعرف المزيد عن كيفية استشهاد الشهيد ولكن سلاسة قلمك ورشاقته في عرض أفكار الفتى وعواطفه خففت من تلك الرغبة وجعلتنا نمد أعيننا لنرى من حوله من شهداء ومنكوبون يعانون الويلات كل يوم صامتين .. والله المستعان

شكرا يا غالية وأرجو ألا تغيبي كثيرا

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير