تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ذكريات شهيد]

ـ[دمعة تائبة]ــــــــ[07 - 11 - 2003, 01:21 ص]ـ

السلام عليكم

من محاولاتي المتواضعة أحببت أن أفتتح بها مشاركتي في منتداكم الجميل منتدى الفصيح

فتح عينيه .. وتنهد على سريره، وقام يخطو بخطواتٍ واثقة، وما إن توضًّأ لصلاة الفجر .. حتى سمع أصواتاً تتعالى في الطرقات .. أطلَّ بنظره من شرفته .. وسأل أحد المارة عن الأمر، فقال له: (كل عام وأنت بخير .. )، دهش علي ثم قال: (ما الأمر .. ؟!)، فردَّ متعجبا: (ما بك .. ؟! اليوم عيد ... )، صمت علي برهة، وأخيرا استطاع أن ينطق قائلاَ:" و .. أ .. أ .. أنت .. بخير"، ثمَّ أغلق نافذته قائلا:

"يا إلهي .. أين كنت من كل هذا .. ؟! أيعقل أن اليوم هو العيد .. هل مضت الأيام بهذه السرعة .. ؟ وهل يأتي العيد بلا أمي وأبي وعائلتي .. ؟؟! ".

تمتمم علي بهذه الكلمات والعبرات تنسكب من عينيه .. ثم استعاد نفسه قليلا .. وأقام صلاته، ولكن عندما حان سجوده لربه، لم يتمالك نفسه، وانفجر باكياً مناجياً ربه بكل ذرة من آلامه الدامية…:

"ربي أنت أعلم بحالي .. ربي إنَّك وهبت لنا العيد لتبهج قلوبنا وتسر سرائرنا .. لكن أين لي بفرحة يفرحها قلبي وهو .. بلا أب يأويه، وبلا أم تحتضنه ..

ربي إني رضيت بقضائك وابتلائك لي .. لكني أرجوك بأن تهوّن على قلبي وتزيل الهم من صدري .. يا أرحم الراحمين .. ".

بعد انتهائه من صلاته ومناجاته لربه، خرج يخطو بخطواته على أرضه التي تدبها الأحزان ..

أرض مخيم الأنين، الذي يهرم فيه الشباب، ويموت به الأطفال، ويدفن به الشهداء ..

أرض لا تعرف للفرحة باباً، ولا تعرف للبهجة طريقاً ..

أرض ترابها دماء .. وهضابها من جثث الشهداء ..

أطلق عليٌّ نظراته بين أرصفة الطرقات .. سمع أنين مآذن المساجد .. وصمت أجراس الكنائس .. وأحزان تتفجر باكية من المعابد ..

رأى نساء قد رملت، وأطفالاً قد يُتمت، ومآذن قد هدمت، وبيوتاً قد دمرت، وأوراقاً منثورة قد مزقت .. وشظايا قد بعثرت.

أخذت نظراته تبحث هنا وهناك عن فرحة العيد .. أين عيدنا .. ؟!! ألسنا بشر من حقنا الفرحة والسعادة .. أم أنّ الحزن قد طبع على صدورنا طيلة حياتنا .. !!

وظلت أقدامه تطأ الأرض معلنة ثروة الغضب .. والحزن في آن واحد .. حتى وصل إلى المكان الذي كان يقطن فيه جده ..

اتّكأ على ما بقي من حطام بيته البالي .. وانطلقت آهاته الحرَّى .. ورجع بذاكرته إلى الوراء .. فتذكر الماضي الأليم الذي حاول تناسيه طيلة حياته .. إنها مشاهد لم تغب عن أمّ عينه .. تلك الصور التي اختزنها عقله وأبعدها عن قلبه، وأغلق عليها طيلة هذا الزمن ليحجب عنه الآلام، وأما الآن فقد ضعفت عزائمه وخارت قواه، وأخذت ذكريات الماضي تتسلل إلى قلبه الحزين، وتنتشل بقايا فرحة كانت في الوريد ...

ها هي المشاهد تتراءى أمام عينيه .. وها هو يرى نفسه باكياً فزِعاً عندما انقضّ الغاصبون على أرضه، وهاجموهم بغتة كالريح العاتية، فأخذوا يعصفون بهم، وقتلوا جده أمام عينيه، كم كان منظرا مروّعا!!، فهل يعقل أن طفلا ً لم يتجاوز العشرة خريفاً يرى منظراً كهذا؟! .. ولم يمض ِ إلاّ يومان أو ثلاث إلاّ وعادوا للافتراس بمخالبهم الحادة، وأسواطهم المميتة، وبنادقهم القاتلة ..

رأى أباه ملقىً على الأرض يُضرب بأسواطهم وأرجلهم ضرب العبد والأسير، يضربونه تعذيباً وإهانة لكرامته. لا يريدون قتله وإراحته من الظلم .. بل يريدون له العيش بذل واحتقار ..

جرّوا أباه إلى الخارج حيث الآلام .. نظر الأب لابنه نظرات الوداع الأليم، وكانت تلك اللحظات هي لحظات وداع ٍ ما بعده لقاء ...

اُعتقل أبوه في سجون الغدر، وراء أسوارٍ تحجب الحياة، وتميت القلوب؛ حتى يعيش ما بقي من عمره بعيداً عن زوجه الرءوم وطفله البريء ..

ومضى على بعدها محروماً من حنان الأب، يتيماً وأبوه على قيد الحياة، ولكن أيّ حياة تلك .. التي صباحها بالإهانة والاحتقار، ومساؤها يَسْوَدُّ وتسود معه القلوب والأبصار ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير