صفحة من مذكراتي .. (هلمّ يانوم وأقبل)
ـ[الناقد الكبير]ــــــــ[19 - 12 - 2004, 05:46 ص]ـ
قعدتُ قبل منامي أتمتمُ بـ بيتين قالهما كعبُ ابن زهير ضمنَ قصيدتهِ المشهورة أمام رسول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصفُ فيهما (محبوبتهِ) سُعاداً، فيقول:
وما سعادٌ غادةَ البينِ إذ برزتْ = كأنها منهلٌ بالراحِ معلولُ
هيفاءُ مقبلةٌ عجزاءُ مدبرةٌ = لا يشتكي قُصرٌ منها ولا طولُ
فقلتُ في نفسي: لماذا لا أصفُ محبوبتي بشيءٍ تتناقله العربُ في مجالسِها، وتتمتمُ بهِ في خلواتها! حاولتُ ذلك لكني عجزتُ، فذهبتُ أذمُ محبوبتي واستنكرُ بُعدَها وهجرَها لعلَّ قريحتي تجود، فطارَ النومُ من عيني وتبددتْ غايتي وطالَ ليلي .. كيفَ أجدُ للنومِ طعماً ولذة، أو نعسةً وسكرة والحبيبةُ قد سِيئَ فهمُ حالِها، أو صُوِرتْ بما ليسَ من مقامِها! كيفَ أنامُ وقد رابني التفكيرُ والتوهمُ وكدتُ من طولِ الليالي أهرمُ! أبداً لا أنامُ وهذهِ حالي إلا أنْ أُجلّي ما خَفي من صفاتِ الحبيبة وما غُمَّ من خلالها الحميدة ومناقبها العديدة.
الحبيبةُ فتاةٌ تختلفُ عن كلِّ الفتيات، فتاةٌ ميّزها اللهُ بأروعِ الصفات، فهي الشقيقةٌ إنْ قالوا النساءُ شقائقُ الرجال، وهي الرفيقةٌ إذا تاهتْ بي السبلُ أوتقطّعتْ بي الأسباب (بعد الله سبحانه وتعالى) وهي الحنونةٌ إذا فُقِدتْ الأمهات وهي الأختُ إذا تخَّطفَني الطيرُ من كلِّ الجهات، هي الزوجُ لا أشقى بقربِها وهي الحبيبةُ لا أسلى ببعدِها، هي الجسدُ والروح وهي المستقبلُ والطموح.
حينَ عرفتها عرفتُها بقلبي وحينَ أدركتها أدركتُها بعقلي، أختزلتُ نساءَ العالمِ في شخصِها ورسمتُ الجمالَ كلَّه في رسمِها، النورُ يشرقُ من جبينِها والبحرُ يموجُ في عينيها، رضابُ فمِها كأنه الخمر وعرقُ معصمِها كأنه العطر، إذا تكلمتْ أوجزتْ وإذا حاورتْ أعجزتْ، لها من سلامةِ نُطقِها وقارٌ ومن حسنِ بيانِها شِعار، اخترتُها واصطفيتُها على نساءِ العالمين، فهي الأميرةُ في الحاضرين والشجرةُ الوارفةُ في الغابرين.
حدثتُها مرةً بحديثِ الحُبِّ وبمشاعرٍ اختلجتْ في القلبِ، فأعرضتْ عني وقالتْ رحماكَ يا ربّي، فزادَ تعلقي بها وشوقي لها، وجاءتني (البلاوي) من فوقي ومن تحتي وعن يميني وعن شمالي، فلا لذيذَ أطعمُه ولا نومَ أهنئُه، يضحكُ مَنْ حولي وأبكي، يبكونَ فأضحك، نهاري أمدٌ وسراب وليلي سرمدٌ وعذاب.
وماذا بعد يا حبيبة .. !! ماذا بعد في هذه الليلة الكئيبة، وفي هذا التوقيتِ الحرج، هل يا ترى أتركُ لنفسي الحريةَ المطلقة كي تصفَ مشاعراً محروقةً يائسةً! أم أُلجمُ هذهِ النفسَ بمرارةِ الواقعِ وحكمِ القدر!! .. فلو أطلقتُ العنانَ لنفسي الثائرة بمشاعرِ الحرقة لسطّرتْ في حبكِ أدباً يذكرهُ التاريخ وتتناقلهُ الأجيال، ولو ألجمتُها لماتتْ كمداً وحسرة.
لكن دعيني يا حبيبة اسجلُ هذه الحقيقة واكتبيها في دفاتر ذكرياتكِ فقد نقشتها في قلبي، نعم نقشتُ حبك في قلبي فأنا أحبك حباً لا أعلمُ له سراً ولا أجدُ له تفسيرا، كقولِ القائل:
أحبك لستُ أدري سرَّ حبي = وليس يحيطه علمُ الكلامِ
كروح ليس يعرف أي سرٍّ = لجوهرها سوى ربّ الأنامِ
ورغم أنني متأكدٌ أنْ لا لقاء يجمعني بكِ في هذهِ الحياة الدنيا إلا أنني مؤمنٌ إيماناً جازماً أنَّ حبكِ في نفسي لن يموتَ ولن يتزعزعَ من مكانه أو ينقصَ في حجمه و مقداره، سيبقى حبكِ أنموذجاً ومقياساً عاطفياً في حياتي، ليسَ لأنه بدعاً من التجاربِ أو نوعاً فريداً من التجاذب، بل عطفاً على مشاعرنا الصادقة والخالية من المصالح والمنافع، عطفاً على تلك المشاعر لا على تصرفاتنا وأفعالنا ..
ستبقين الأمنية الروحانية التي حلمتُها وعشتُ على أمل تحقيقها،حبيباً لقلبها وفارساً لحلمها، شريكاً لفرحها ومتألماً لحزنها، لباساً كافياً لسترها وحضناً دافئاً لعواطفها، بلسماً شافياً لجروحها وسداً منيعاً وافياً في كافةِ أمورها، أباً لها كالدرع الواقي وأخاً لها كالدلو الساقي .. ستبقين الأمنية التي رفضتْ كلَّ المحاولات، وباعدتْ بين كل الخطوات، أمنيةٌ إن تقربتُ منها باعاً ابتعدتْ عني ذراعاً، وإن تركتُها غضباناً وانصرفتُ إلى اهتمامي جاءتني أميرةً تزورني في منامي ...
فهلمّ يا نوم وأقبل ..
ـ[المستبدة]ــــــــ[21 - 12 - 2004, 07:08 م]ـ
ياااااه يا لهذا الجمال المنتثر ..
يا لهذا الوهج المشتعل ...
أين كنت عن مثل هذا الألق .. ؟
أأقول رائعة .. !
فسأظلم هذا النص
مع هذه الكلمة التي أُنتُهِكت بعادية
استخدامها مع كل شروق وغروب ... !!
أحسنت أيها الناقد الجليل ..
لله در تيك الحروف ...
قد قرأتها بوابلٍ من الرقةِ يسكنها ..
وقد أبحرتُ معها .. هناك بعيداً .. حيثُ الجمال .. الصدق ..
حيث السهل الممتنع .. والذي نحسب أنَّنا نُجيد محاكاته .. !
ثمة إبداع ... ثمة شفافية ...
ثمة حروف صافية نقيّة ...
بيضاء كبياض قطعة ثلجٍ بلوّرية ...
* *
كان يجب على حروفي أن تنحني هنا ...
وقد كان ...
شكراً لتلك الروح التي أفحمتني بصدقها ...
. . .
¥