حلم ٌ قد هوى .... - تجربتي مع القصة القصيرة-
ـ[عاشقة الفصحى]ــــــــ[27 - 04 - 2003, 03:12 ص]ـ
الساعة الثامنة صباحا" ........
أشعة الشمس الحارقة تحيل الشارع إلى فرن متوقد .......
زاد خالد من درجة التكييف في سيارته، لعله يستطيع أن يملأ رئتيه بأنفاس باردة تعيد الأمل إلى قلبه الضعيف .....
التفت يمنة ويسرة للسيارات من حوله .......
يخال له أنه الوحيد الذي ليس له أهمية عند هذه الإشارة ....
فالسيارة التي عن يمينه تحمل موادا" غذائية يقودها وافد .....
أما التي عن يساره فهي سيارة فارهة يقودها رجل في الأربعين من عمره،يبدو من مظهره أنه أستاذ في الجامعه ...
ظل خالد يتأمله طويلا" ...... كم تمنى أن يكون أستاذا" في الجامعه وأن يواصل دراسته العليا ولكن ....
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... !
تحول ضوء الإشارة للأخضر وانطلق الجميع لمواصلة المسير ......
أخذ خالد يسأل نفسه ...... :
هل سأعود هذا الصباح بخفي حنين كعادتي منذ سنتين من الآن ...... ؟؟!
حانت منه التفاتة إلى الكرسي بجانبه، حيث وضع ملفه الأخضر المتخم بصور الشهادات والوثائق ....
تأوه طويلا" ...... فهو لا يعلم ما الذي ألقى به لهذه الهاوية ......
ولكنه قطعا" يعلم بأنه ليس التقصير أو الإهمال .......
سنتان منذ أن تخرج من الجامعه وهو لا يجد ما يحلم به .......
ثقافته العالية ... تقديره المشرف .... شهاداته التي نالها من دورات مختلفة .... حسه الأدبي الراقي ....
كل هذا لم يشفع له بوظيفة أو حتى بأمل ...... !
نظر لمؤشر الوقود في سيارته .... حمد الله أن قد بقي لديه ما يكفيه لرحلته هذه .....
ابتسم فجأه ........ !
فقد أصبح الأديب خالد -كما كان يسميه أصدقاؤه أيام الدراسه- مجرد متسول يتلقى الصدقات من الأهل والمعارف ....
انقبض قلبه حين لاحت له ذكرى تلك الأيام ..... حين كان إنسانا" مبدعا" ...
يكتب شعرا ليلقيه على أصدقائه في اجتماعهم يوم الخميس ...
يكتب قصصا" جميلة في أروقة الجامعه نالت إعجاب الأساتذة فأشادوا بها طويلا" ونشرت في رسالة الجامعه ...
همس لنفسه ..... :
أين أنت خالد اليوم ...... ؟؟!
أين قصصك .... ودفتر أشعارك ...... أحلامك وآمالك .... ؟!
ماذا أخذت من التخرج .... ؟ وماذا أخذ منك ..... ؟!
سأل نفسه بحسرة ...... :
كم صورة من هذا الملف المتخم قدمت ..... ؟
كم وزارة راجعت ...... ؟
كم صباح حارق قطعته آملا" وعدت فيه يائسا" ...... ؟
نسيت كم ... وكم ..... وكم ....... !
ولكني لست أنسى دعوات أمي لي في تهجدها كل ليلة .....
نظرات أبي المخنوفة حزنا" على مصيري البائس .......
همسات أخواتي بأن ذاك الفتى قد ضاع عمره بحثا" عن وظيفة .... !!!
قطعت غشاوة من الدموع تسآؤلاته .....
رفع صوته .. أن لا تبكي خالد ... أنت رجل والرجال لا تبكي ....
مسح عينيه .....
لاحت له الشركة التي كان يقصدها من بعيد .....
شحن نفسه بالأمل من جديد ......
صوت ارتفع داخله .... أن تفاؤلوا بالخير تجدوه .....
اقترب من المكان ..... أوقف سيارته، ونزل حاملا" معه ملفه القديم وآلامه العظيمه ....
دخل ولم يلفت نظره الزحام الذي يملأ المكان فقد اعتاد هذه المناظر ... وقف طويلا" منتظرا" دوره ....
قطع حبل أفكاره صوت الذي بجانبه يخاطبه ....... :
-لو سمحت ...... ؟؟
-نعم ..
-هل يطلبون مؤهلا آخر غير شهادة الثانوية ... ؟
-أجاب بحسرة .. :
لا .....
ارتفع الصوت بداخله .... :
هزلت .... ! أصبحت تتقدم لوظائف يطلبها خريجو الثانويه ... !!
أنت ..... أنت أيها الأديب ..... أنت أيها الجامعي ..... أنت الحاصل على كل هذه الشهادات ..... أنت المتفوق ......
رفع صوته لاهجا" بالذكر .......
لا إله إلا الله ....................
اطمئنت بها نفسه ...... قال في داخله .. :
الدنيا حظوظ ... ولعل حظي أن يستيقظ اليوم ..... وأن تكون بدايته من هنا ......
من يعلم ....... ؟!!!
ولا بأس إن كانت البداية صغيرة فالعبرة بالنهايات ......
قالها معزيا" نفسه ...... ودخل في دوامة من الأفكار ..............
لم يدري كم مضى من الوقت حتى صرخ فيه الموظف ... :
يا أخ جاء دورك ...... !
رسم ابتسامة صفراء على شفتيه ودلف إلى المكتب، ألقى التحية وجلس ....
لم يرفع المدير رأسه من الملف الذي أمامه ...... قال بلهجة متغطرسه له .. :
أين ملفك ...... ؟؟
وضع خالد ملفه بأصابع مرتعشه،تصفحه المدير بسرعه، لكنه سرعان ما عاد للاسم ...
¥