[الغريب ...]
ـ[سدرة]ــــــــ[10 - 12 - 2003, 12:21 م]ـ
عزيزي عبدالمعين
لا شك أنك تستغرب اصراري على أن تشاركني البحث عن ذلك الطير
الذي كان معلقا على احدى نوافذ شقة في بلاد الخضرة والوجه
الحسن،،لاتقل لي أنها بلاد الطيور وعلى كل النوافذ سنجد الكثير
منها،،،
عندما تلتقي ذلك الطير ستعرفه وستعرف سر اصراري، وعندما تعرف
صاحب الشقة ستصلك كل الأسرار،،،،،
سأحدثك عن ذلك الغريب الذي قطن تلك الشقة الباردة ليدفئها
بأشعة الشمس التي هاجرت معه .. غادرت بعد أن غدرها أصحاب المكان
فأنكرتهم ورافقته!
عندما ترك الصحراء الى بلاد الخضرة في ذلك اليوم البعيد لم
يشعر بأي ألم .. كان كمن خرج من السجن قاصدا وجه الحياة حتى
الشقة التي قطنها لم يشعر ببرودتها، لقد تركت شمس الصحراء في
داخله ما يقتل البرد المتسلسل من كل التيارات عبر كل الجهات
والشقوق ويقضي على العفن المتعشش في الزوايا.
المدينة المزينة بشتى أنواع البنفسج والأقحوان لم تستطع أن
تعلم قدميه السرعة في التنقل،،مازال ذلك الرمل الناعم الذهبي
العالق في حذائه يعيق تكيفهما مع شوارعها،،
كان في تحركاته وتنقلاته في بلاد الخضرة يحمل بوصلته في الجهة
اليسرى من جسده،،لم يضل يوما من حمل تلك البوصلة ولم يصبه
وباء،،بوصلته كانت له الجنة (بضم الجيم) ....
ما زالت أشعة الشمس تأكل رأسه وهو يضرب وحيدا في أرض
الرطوبة،،رأسه لم يزل ناشطا ومختلطا في تاريخ بعيد بعيد،،هو
يضرب وحيدا الا من هذا التيار الذي يخلق في أعماقه صلابة رسمت
حوله تلك الهالة الفضية،،وانه ليعجب لنفسه كيف لم ينقطع عن
التفكير العميق طوال سنوات الغربة ...
رأى سكان بلاد الخضرة رأسه يشد عاليا وهو يرقب بنظرات خائفة
الجهة الأخرى .. ولكن في داخله كانت تتربى مرارة لم يجد سبيلا
لوأدها،،كانت تنمو اطرادا مع السنين ...
وذات مساء دخل مطبخه ليعد طبق الافطار بعد يوم صيام فوجد طيرا
عالقا على طرف النافذة،،ألقى عليه السلام،،ردالطير التحية
بأحسن منها،،فجعله شريكا له في طبقه!
صباح اليوم التالي دخل المطبخ ورنا بعينيه ناحية النافذة فوجد
الطير لا يزال هناك ينقر قطعة البطاطا التي أهداه اياها
بالأمس،،
اقترب منه ونظرا سويا الى الغيوم الداكنة التي تعتلي أفق
المدينة فتمنع شمس الصباح أن ترسل نورها،،تحاورا حول شروط
الشمس كي تشرق غربا،،،،،،،
خرج من شقته وعاد ليلا ليلتقي الطير من جديد .. حدثه عن رائحة
الأرض،،أرضه التي تشعل أحاسيسه،،فشاركه الطير الحنين،،،
وأشار له الى الجبل البعيد وحدثه عن تلك الأرض التي تستلقي
خلفه في أحضان الصحراء باستسلام ...... فأخبره الطير عن ترنيمات
بلال في الآذان ... وتناقشا في أحاديث أخبرها سيد الأنام (عليه
وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و السلام) ....
وبعد شهور رن جرس هاتفه فجرا،،أبلغه الصوت المسترسل عبر الأثير
أن الصباح جاء!
الصباح!!!!!!!!! يا الهي كم تأخر ولكنه أخيرا جاء ......
لقد انشقت الغيوم المتراكمة مرة واحدة،،والغريب الذي عاش
سنوات الغربة يحدق سيلقي مرساته في ميناء صحرائه من جديد ...
والأيام القادمة ستبلسم الجرح الغائر وتنسيه مذاق المرارة التي
تجرعها ..
بوصلته ثابتة في الجهة اليسرى .... على أيدي أمثاله سيتم
التصحيح. ستشرق الشمس شرقا وترسل اشعاعاتها غربا ...
بيد مرتعشة حزم حقائبه واستوى في الطائرة لتقلع به تاركا
وراءه العالم المرتب في عناية،،،وطيرا عالقا على النافذة!
الطير يا عبد المعين كان أسعد المخلوقات باللقاء الذي يتم بين
الصحراء وابنها ولكن صخب أفكاره تدق كمسامير في رأسه ولا
تنغرس،،،،،،،،،،
وحدك من سيعرفه ويعود به لفضائه يرتع فيه. ويطل منه على ذلك
الموحد الغريب ......
التوقيع
سدرة