تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فنظر في عيني نظرةَ الطفل لأمه وقال: قد اشتدت فاقتي بعد ما فاضت نفسها الزكية، فسارعته من غير إطراق وقلت له: ومن هي؟ فقال: زوجي نفسي لمقدمها الفداء، وذلك المسجون في أحشائها، فلذة كبدي وقرة عيني ومنية نفسي، فقد زودتها بأمهر الأطبه لحسم الداء عنها، ولكن ليس لقضاء الله من تبديل،وأنا لا أملك من قوت يومي ما أسد به جوعي، فبعت نفيس ما أملك لإعطاء الأطبة جزيل جهدهم، ولسداد مراسيم الدفن والجنازه، وفي نفس الآن علي أن اشتري ما اسعف به امي، فقد وصلني كتاب من اخي يصف به حال امي من تواتر الاوجاع عليها،فكما قلت لكِ لم أرث غير الحزن والألم على فراق زوجي، وإني لأحن اليها حنين الظمآن إلى الماء، والخائف إلى الأمن، والسليم إلى السلامه، وإني استميحك عذراً فما أنتي وهذا البالي امامكِ ...

فسكتَ وسَكِتُ معه لوهلة، وبعدها قلت له ما رأيك أن تأتي لمنزلنا الليلة لترتاح وتسكن ونرى ما نصنع في الغد، فلم يرضى في بداية الامر ولكن اصريت عليه ولم أجعل له سبيلا للإعتذار، فأسكنته في إحدى غرف منزلنا الكبير، ومع مرور الايام صار أحد أركان العائله وتمكنت بينه وبيننا الإلفة وذلك لصداقته مع أبي لحبهما الشعر والنثر حباً جما، فما أصبحت ولا أمسيت إلا ورأيتهما يتحدثان عن عشيقتيهما، فاشتغل مع أبي وصار من وجهاء القريه، وكان ذرب اللسان حر المنطق يحسن السبك، يتخير من الالفاظ أحسنها مسموعا، وأقربها مفهوما، وإن أنفته وشدة شكيمته ونوؤهُ عن مذاهب العجب قد أغشت بصيرتي بل أعماها، وأغرمت به فقد سلب فؤادي وتركه مسبوهاً، فأحببته حب الأسيرِ لوطنه، وأكتمتهُ هذا الشعور حتى بادلني إياه، وفي أحد الليالي دخل عليَّ الغرفه وافترست في وجهِهِ فأيقنت بتضرم الحب في أنفاسه، واستيقاد الوجد في ضلوعه، وجلس بجانبي وقال: أنت غرة على جبهة الشمس والقمر خَلُدَ ذلك في بدائع الأخبار، وكتب بسواد الليل على النهار، وأنا فيك بمنظوم ومنثور كمن أمد النار بالشرر، وأهدى الضوء إلى القمر، وصب في البحر جرعه، وإني لأحبكِ مالا تضمره للولد أم، فأنت الحياة التي لا حياة لي بدونها، ولن يطوف بي الكرى حتى أعرف رأيك في كلامي، فكان من حديثه الشائق ما أغشى بصري، ومال بجسده علي كغصنٍ قد حركه النسيم فأطعت نفسي وقبلته قبلةً لم ارشف مثل رضابها من قبل، مما جعلتني أسكر وأهيم في حبه في تلك اللحظة، وقد حصل ما حصل مما لا أُحَبِذُ ذكره في مجلسنا هذا، وبعد أن تماجنا في تلك الليلة العاثرة،وكنا إذا جلسنا نشير إلى بعضنا بأطرافنا، ونتحدث ببتسامتنا، وبعد مضي عدة أيام تقدم للزواج مني، من عند ابي، فرضيهُ أبي صهراً له، ورضيتهُ زوجا لي، وفي أحد أيام نفس الاسبوع، ذهبت لمناداته للغداء (فطرقت) فقرعت الباب فلم يجبني فدخلتها من غير أذن، وقد لقيتها خاليةً من عروشها، وقد اصابتني الدهشة مما رأيت، وبعد وهلة من الزمن لاحظت كتاباً على سطح الطاولة، وكان عنوانه ...

((روزلين))

ففتحت ذلك الكتاب البائس وليتني لم أفتحه، وكان مضمون ذلك الكتاب: "

إلى حبيبتي روزلين:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

أعتذر إعتذار المذنب الأثيم إلى ربه بسبب رحيلي المفاجئ من غير سابق إنذار، وذلك لحصول أمرٍ طارئ في قريتي، فقد وصلني كتاب بالأمس، وفيه إن أمي عليلة وقد اشتدت آلامها وتريد ان تراني بأسرع وقت، وإني أعلم علم اليقين بأني إن رجعت الى قريتي لن اراك مرة أخرى،لأن أبي لن يسمح لي بالعودة، ولن يرضى بزواج منك، لأنه يأملُ مني أن أتزوج بإبنة أخيه فقد أوصاه اخوه قبل وفاته بأن يزوج إبنه لإبنته وتعهد أبي له بأن ينفذ وصيته،وإني لست راضٍ عن نفسي لما فعلته معك في تلك الليله و، ولكن جمالك أسلبني لب عقلي، وأنساني كل ما يدور من حولي، وذكر ابي في كتابه بأنه قد أتم مراسم الزواج وأنه على أحر من الجمر لرؤيتي وليزوجني بإبنة أخيه، وإنه لن يرضى عني أن تزوجتك، فليت شعري ... هل يمكنني أن أعيش من دونك، وهل يمكنني أن أعيش وأبي ساخط علي، لا وألف لا للحياة البائسة من دونك، ولا وألف لا للحياة مع سخط ابي ... فوالله ثم والله لا أعلم ما اصنع، فكأني حبيبات قمح تدور بها الرحى ليس لها حيلة للخروج، ليت شعري ... أللحياة لذةٌ من دونك، ولكن ...

وأختم لوعتي بوادع لا احبذه من وداع وإن الصبابة لتقتلني قبل أن أُفارقك، فكيف بي بعد الفراق، واستعيني بالصبر على ما أنابكٍ.

وتصبري ونظير حسنك والكرى وعليك عوني والوفاء قليل

إلى اللقاء ...

عن لسانهِ:

أرى التحمل شيئا لست أحسنه

وكيف أخفي الهوى والدمع يعلنه

أم كيف صبر محب قلبه دنف

الهجر ينحله والشوق يحزنه

وإنه حين لا وصل يساعفه

يهوى السلو ولكن ليس يمكنه

وكيف ينسى الهوى من أنتِ همته

وفترة اللحظ من عينيك تفتنه

**********

للحب نارٌ على قلبي مضرمة

لم تبلغ النار منها عشر معشار

الماء ينبع منها من محاجرها

ياللرجال لماءٍ فاض من نار

**********

وعن لسانها:

أعاد الصدود فأحيا الغليلا

وأبدى الجفاء فصبراً جميلا

ورد الكتاب ولم يقره

لئلا أرد إليه الرسولا

وأحسب نفسي على ما ترى

ستلقى من الهم هجراً طويلا

وأحسب قلبي على ما أرى

سيذهب مني قليلاً قليلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير