تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إلى أمي]

ـ[عبدالعزيز جويدة]ــــــــ[22 - 03 - 2008, 02:31 ص]ـ

شعر عبدالعزيز جويدة

أنا الكلماتُ تحترقُ ..

على شفَتي

وأنفاسي تَهُبُّ كمثلِ نيرانٍ على رئتي

أنا قلتُ: مساءُ الخيرِ يا أمي

وما ردَّتْ

تُراها قد نسَتْ لغتي؟

فتحتُ البابْ،

وأغلقتُ .. ورائي البابْ

ونادتْني ليالي الأمسِ والأحبابْ

وحييتُ الذي يجلسْ ..

جواري دائمًا أبدًا:

مساءُ الخير يا حزني

فردَّ الحزنُ بالترحابْ

****

تذكرتُ ..

هنا وجهَكْ

ووجهُكِ طلَّةٌ من نورْ

وقلبًا يُشبهُ البلُّورْ

وتسبيحًا وتكبيرًا

وعطرَ بخورْ

تذكرتُ ..

هنا التنورْ

وخبزًا جافْ

وظِلَّ شُجيرةِ الصفصافْ

وضمَّةَ صدرِكِ الحاني

على طفلٍ رضيعٍ خافْ

تذكرتُ ..

دعاءَكِ في صلاةِ الفجرْ

تذكرتُ الكلامَ الحلوَ في يومٍ

تذكرتُ الكلامَ المرْ

ويومَ سألتِني مرَّةْ

عن الموتِ،

وأولِ ليلةٍ في القبرْ

وعن حالِ السنينَ هناكْ،

وكيفَ تمُرّ؟

ومرَّ العمرْ

وصارَ المرُّ في حلقي

هناكَ أمَرّ

وظلَّ السرُّ مطويًا

وخلفَ السرّ

أنا مازلتُ يا أمي على قبرِكْ

هنا طفلاً ..

يبيعُ الصبرْ

أُناديكِ

وأنتظرُ .. يجيءُ الردّ

وأصبحَ بيننا سدٌ

وماذا خلفَ هذا السدّ

بدأْنا العدّ

أنا طفلٌ حديثُ العهدِ باليُتمِ

ولا أدري وماذا بعدْ

فمنْ بعدَكْ ..

عليَّ يرُدْ؟

ومَن بعدَكْ ..

إذا قبَّلتُ كفَّيهِ ..

أذوقُ الشهدْ؟

ومن يمسحْ ..

على رأسي إذا أأسى؟

ومن بعدَكْ ..

يُقبِّلُني لكي أنسى؟

ومن في الصبحِ أشتَمُّ ..

بأنفاسِهْ ..

عبيرَ الوردْ؟

****

دخلتُ الآنَ حجرتَكِ

وجدتُ النورَ قد غادَرْ

وطيبَكِ من هنا سافَرْ

سألتُ النورَ عن شيءٍ هنا ترَكَهْ

لماذا البيتُ ما عادَ

فلا صوتٌ ولا حرَكَةْ

ولا خيرٌ ولا بركَةْ؟

هنا مازالَ مقعدُكِ

وصوتٌ من كلامِ الأمسْ

جميعًا كنَّا ننتظرُكْ

فهُلِّي مثلما أنتِ

فقد كنتِ ..

هنا بالأمسْ

وبينَ اليومِ والأمسِ

تغيَّرْنا

فلا شكلٌ ولا لونٌ،

ولا طعمٌ ولا مَعنى

ولا أنتِ ..

هنا معَنا

لأوَّلِ مرَّةٍ في العمرِ يا أمي

نذوقُ اليُتمَ أجمعَنا

نُغمِّسُ خبزَنا اليابسْ ..

بأدمُعِنا

هنا بخَّاخةُ الربوِ، ومِسبحَتُكْ،

وطرحتُكِ، وسجَّادَةْ،

ومِذياعٌ صغيرٌ

يقرأُ القرآنَ كالعادَةْ

أتى العيدُ ولم يطرُق ْ على بابي هنا أحدٌ

تعجَّبتُ ..

تُرى قد جاءَ هذا العامُ يا أمي

بلا أعيادْ؟

ولم أسمعْ هنا صوتَكْ ..

يُناديني

فناديتُ ... وناديتُ ...

وخوفٌ داخلي يزدادْ

فأين فُطورُنا أينَ

وأينَ جميعُ من في البيتِ

يلتفُّونَ من حولِكْ؟

هنا كنَّا على ميعادْ

هنا في البهوِ ننتظرُكْ

وهذا المِقعدُ الخالي

أُحدِّقُ فيه ..

ويقتُلُني سؤالٌ دارَ في بالي

طرقتُ البابَ لم أسمعْ ..

هنا صوتَكْ

وناديتُ: أيا أمي .. أيا أُمي

فتحتُ البابَ في صمتٍ

سريرُكِ ها هنا خالِ

وِسادتُكِ، وجلبابُكْ، ومسبحتُكْ،

وبسمتُكِ .. دُعابتُكِ،

ومصروفٌ لأطفالي

وأدويةٌ مُبعثرةٌ

سؤالُكِ دائمًا عني

وعن حالي

ورُقيتُكِ، ودعوتُكِ

ونومي فوقَ رُكبتِكِ

ونظرتُكِ، وضمَّتُكِ، وقُبلتُكِ

وحضنٌ فيه آمالي

بأن أرتاحَ من تعبي، وترحالي

تساقطْتُ ..

على الأرضِ

لأنَّ العجزَ قد دبَّ ..

بأوصالي

****

أُحسُّكِ دائمًا قربي تُناديني

بكلِّ مساءْ

فأجري نحوَ غُرفتِكِ

بكوبِ الماءْ

وقُرصِ دواءْ

فلا أجدُكْ ...

أضمُّكِ داخلي وأذوبْ

فلا يَبقى هنا منِّي ولا منكِ

سوى أنَّا

فَناءٌ ذائبٌ بفناءْ

وقد أعطيتِني روحًا

فحلَّقتُ ..

أنا معَكِ

بكلِّ سماءْ

فيا أمي التي اختصرَتْ بداخلِنا ..

مواسمَنا

فصرنا والسنينَ بكاءْ

مُسافرةٌ إلى أينَ حبيبَتَنا

مسافرةٌ بلا أشياءْ

حقيبتُكِ التي كانتْ

تُسافرُ دائمًا معَكِ

نراها لا تُطيقُ بقاءْ

ضَحكْتِ علينا واللهِ

وسافرتِ على استحياءْ

بغيرِ وداعْ

وسافرتِ ..

لأبعدِ نُقطةٍ في الكونِ سافرتِ

بلا أشياءْ

سِوى زادٍ من التقوى،

وإيمانٍ كنبعِ الماءْ

تُراكِ الآنَ يا أمي

بأيِّ سماءْ؟

****

وتعبسُ حولنا الأشياءُ معلنةً

قدومَ الموتْ

قطارٌ سوفَ يحملُنا لبلدانٍ

ونجهلُها

نسميها بلادَ الصمتْ

لدارٍ غيرِ تلكَ الدارِ يا أمي

وبيتٍ غيرِ هذا البيتْ

أُناديكِ

وأصرخُ دائمًا وحدي

بأعلى صوتْ

رجوتُكِ أن تجيبيني

وأن تَبقَيْ هنا معَنا

لبعضِ الوقتْ

****

أنا أمسكتُ بالهاتِفْ

لأطلبَ نفسَ أرقامِكْ

فكم يأتي جميلاً رائعًا ردُّكْ

إذا كانتْ مهاتفتي

مفاجأةً،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير