[محاكمة قلم]
ـ[المشفقة على أمتها]ــــــــ[11 - 02 - 2008, 07:06 ص]ـ
المقال الأدبي: محاكمة قلم
عندما رأيت قلمي يتخبط في شارع الاحداث يمنة ويسرة استوقفته لأسأله عن الخطب فتطاول علي قائلا: من أنت حتى ترغمني على الحديث معك؟ فأجبته بصوت العاقل المتفهم أنت الذي لولاي لتجمد دم حبرك في عروق خشبتك ... ثم سكت لحظة بعدها كررت عليه سؤالي،فقال بصوت الذميم المتحرج: أنا ... أنا قد تناولت جرعة من الافكار السوداوية التي يتعاطاها حاملي، فأصبحت لا اعي صوابا و لا اعقل خطابا نظرت اليه ثم اخرجت سلسلة من الافكار النيرة زاجا القلم الى ساحة التفكير فاستصرخني قائلا: أتوسل اليك فك قيدي فقد اوهن ادي ... هناك وقفت مستغربا منه لما كل هذا الرفض في التعامل معي و ما عهدت على القلم الا انه العبد المطيع و الجامد السميع وهناك في المحكمة التي حضرتها لأعرف السبب و ابطل العجب استاذن القلم قائلا هل لي بكلمة القيها على مسامع القضاة و الشهود قبل ان يتم اعدامي في ساحة الافكار؟ فقلت لم لا! تفضل
انتصب القلم على قدم وساق وراح يخط بمداده العطر عبارات من صميم لبه و من فيض تجربته فالتدا خطابه قائلا: الحمد لله الذي لو جعلت البحار مدادا لكلماته لما كفت و لو جعلت الاشجار اقلاما لما وفت ... الحمد لله الذي أقسم بي في سورة (ن) اذ قال (والقلم وما يسطرون) .. والصلاة و السلام على الامي الامين الذي بعثه ربه رحمة للعالمين ... فأما بعد:
اليكم ايها الكتبة و المؤلفون يا من تقولون ما لا تفعلون و تكتبون ما به بوابات الشرور تفتحون من اين ابدؤها و كيف اصوغها و باي حبر يستفيق كياني كم من الالغام سطرت بين جنبي عباراتكم التي سكبت مما اعتصرته شهواتكم كم من القذائف رميتم من منطلق احباركم كم من الحريات قيدتم سعيا وراء تحقيق اهدافكم ارغمتم انفي و مرغتم محاسني بوحل افكاركم التي امست الشعوب تذوق منها علقما و جرى في ادمغة الامم من صيحاتكم الكاذبة سما على كم ساشهد منكم؟
فهذا الديموقراطي كما اسميتموه اسرني و زج حريتي من اجل ان يحظى باتفاقيات تدمير العالم لتحقيق رفاهية شعبه
وهذا العسكري سجنني في قرارات الاعدام و السلب و النهب لاشباع شهوة الانتقام لديه
وهذا الصحفي حرف بي عباراته وجمل بزخرف مدادي اعتباراته من أجل أن يثير قضية اعلامية تناصر سهوه و غفلته
و هذا المعلم جعلني كاداة لتنشئة جيل صاعد بثقافة دب في عصاها السوس فخرت بمتكئها صريعا الى هاوية الانحدار الحضاري
وهذا المفكر رسم بي صورا تفزع الاموات و تميت الاحياء ليخرج فيلما سيب\نيمائيا يتواصل مع الزمن في تخريب الصواب و ترميم الخطأ و هذا الاقتصادي زور بي صكوكه وحشدني في زمرة البورصات و العرصات الاقتصادية ليربح بحبره دولارا و يشتري بانتكاسته سهما
و لكن كلمتي الاخيرة قول خالقي جل و علا:" فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون "
فهل انا من احق بالمحاكمة هنا ام الشهود الذي هم حاضرون؟
سألت نفسي حينها: لماذا أتهم جمادا و أعذر من يبغي رشادا؟
فأصدر الحكم من على طاولة القاضي في نصه: (حكمت المحكمة على المتهم قلم بالبراءة و لكنه سيظل تحت يد كفلائه من الكتاب و المؤلفين فأسألهم بالله أن يراعوا حق الله فيه)
إشراقة: سئل أحد الحكماء: من العاقل؟ قال: من وضغ لسانه وراء قلبه ووضع قلبه وراء عقله.