الحياء مشتق من الحياة، وإن كان في القلب حياء فإنه يمنع صاحبه من ارتكاب القبائح لأن قلب هذا الشخص حي وينطق عن الحياة،بخلاف الميت لأن الميت لايستطيع دفع ما يؤذيه، ويسمى الشخص الذي تنطبق عليه هذه الصفة بـ (الوقح) لأن الوقاحة تعني الصلابة، وشبهه ابن تيمية رحمه الله بأنه: كالأرض اليابسة التي لايؤثر فيها وطء الأقدام، بخلاف الأرض الخضراء الحية!
وفي الحديث: (أعطوا الطريق حقه) 0
لأن الطريق ملك للجميع، لذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: أعطوا، وهو فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب0
ونفهم من هذا الحديث أن الإنسان ليس حرا، بل عليه مراعاة الناس وعدم مضايقتهم فيما يكرهون، وهذا إخراج للحرية من مفهومها الضيق إلى المفهوم الحقيقي للحرية!
وفي الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت0
قال النووي: هذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لاينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا0 اهـ
إن تنفيذ هذه الأوامر الشرعية ليس تقييد لحرية، أو حرمان من مصلحة، بل هو دفع إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأدب0
بعض الناس يتباهي بقلة الأدب دون حياء، فتجده يتلفظ بالألفاظ القبيحة، ويفعل الأفعال الوقحة، دون أن يحسب حساب لمن هم حوله، ودون مراعاة لمشاعرهم، وعندما نبحث عن الأسباب التي أوصلته إلى هذا المستوى المنحط، نجدها محصورة في سببين لاغير:
الأول: قلة الوازع الديني، إن لم تكن القلة انعدام أيضا!
الثاني: قلة التربية0
وفي السبب الأول، فمن قرأ القرآن وتأدب بأدبه، وقرأ السنة وأحاديث المصطفى وسير الصالحين واحتذى بها، فلا بد أن يكون على قدر عال من الأخلاق الرفيعة، ولابد أن تتكون لديه من هذه القراءات الطيبة شخصية قوية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في القول والعمل0
وفي السبب الثاني: الأصل أن الإنسان سفير تربيته، وأن أخلاقه هي حصاد ذلك الزرع المرزوع في تربيته!
وطبعا فلكل قاعدة شواذ، ولكن الشذوذ هنا نادر0
وإذا كنا نرى الحيوانات الضارية تروض وتطيع الأوامر وتنفذها، فكيف نستصعب ذلك في بشر حباه الله عقلا وجنانا، بل خلقه مفطورا على حب الخير ونبذ الشر0
ذكر الله تعالى في سورة الكهف قصة تستوجب التفكر وإدمان النظر، وهي في قوله تعالى: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا (80) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما (81) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا (82) 0
إنها آيات عظيمة تستحق القراءة والتدبر0
كثير من الآباء يكدون عقولهم ويوجهون طاقاتهم لتوفير رصيد لأبنائهم في الدنيا، وقليل من يفكر بوضع رصيد في ابن صالح يدعو له بعد ممات، وكأنه غاب عن ذهنه أن الله هو الرزاق وهو القائل سبحانه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا0
وللأسف فقليل الحياء ليس فيه خير لنفسه حتى تكون فيه منفعة لغيره، وفاقد الشيء لايعطيه0
أعاننا الله وإياكم على هذا الصنف المنحط من البشر0
وعذرا للإطالة000
ـ[أنامل العربية]ــــــــ[29 - 09 - 2004, 11:11 م]ـ
السلام عليكم ورحمة اله تعالى وبركاته…
جزاك الله كل الخير على هذا الطرح الذي نقلت إلينا من خلاله حال واقعنا المؤسف، منْ مِنَ الناس يجهل كل هذه الحقائق؟! لا أحد فالكل على علم ودراية بكل هذه الأمور المشينة، على يقين تام بأن حال واقعنا ليس كما ينبغي أن يكون عليه، ولكن للأسف كثيرون يخشون المواجهة حتى صاروا كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب.
أخي الكريم عالمنا بحاجة إلى التذكير بالعواقب الوخيمة لكل ما قد يحدث جراء هذه الأمور، عالمنا بحاجة إلى ما يهز أعماقهم ويوقظ قلوبهم التي ما زالت في سباتها العميق، ويبصِّر عقولهم التي انحرفت في مسعاها فباتت على شفا حفرة من النار.
ولا يسعني في النهاية إلا أن أذكر قوله تعالى:
(إِنَّ اللهَ لا يغيرُ ما بِقَوْمٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهِم)
في أمان الله.
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 05:23 ص]ـ
موضوع يستحق الرفع، والإشادة.
ـ[العِقْدُ الفريْد]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 05:25 ص]ـ
والغريب في الأمر أن نشرات الأخبار بهذه القنوات مليئة بأخبار المآسي وصور الجثث والدماء لمسلمين أبرياء، وفور انتهاء نشرة الأخبار يأخذوننا إلى الغناء الفاضح وكأن ماجاء في تلك النشرة أسطورة ليس لها حقيقة في الواقع0
اللهم لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[السراج]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 07:13 ص]ـ
لله درّك أيتها العقد ..
لقد وجدتِ جوهرة أخرى .. !
كل كلمة في مقال أبي سارة في رباط وثيق بأختها كالسلاسلِ ..
وكل لفظة فيه تشعّ معنى وخير ..
أين أنت يا أبا سارة؟
أين أنت؟
فما كنت تستنكره قبل ستة أعوام، صار هيّنا ..
¥