[رحمك الله يا بديع الزمان.]
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[30 - 07 - 2004, 03:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في كل زمن بديعون، ولا شك أننا نحظى هنا في الفصيح بأحدهم.
تابعت قبل يومين برنامجًا في قناة المجد، فيه سيرة بديع الزمان النورسي، فعجبت من ذلك الرجل، ومن إصراره في الحق، جاء في آخر فصل من فصول الدولة العلية، فوقف ضد الباطل بقوة وبأس.
ووجدت عرضًا هذا العرض عنه، فجئت به هنا. فيه طول لكنه يستحق.
معلم أنقذ الإيمان والحرية بالحوار وبالرجولة ... بديع الزَّمان سعيد النَّوْرسي
محمد الصاوي - مجلة المعرفة السعودية ( http://www.almarefah.com/article.php?id=423).http://www.almarefah.com/images/bd111.jpg
لخص دبلوماسيٌ عربي سيرةَ الدولة التركية خلال القرن العشرين بالقول: «جاء أتاتورك ورحل، وبقي الإسلام في تركيا» وبين المجيء والرحيل قصة لابد أن تروى، قصة الرجال الذين بهم بقي الإسلام في تركيا، من هؤلاء الرجال فتى يقال له النورسي. أنقذه الله من عدوه الذين حاولوا دس السم له سبع عشرة مرة، وحكموا عليه بالإعدام أربع مرات، فأنقذه الله منهم، لينقذ به إيمان أمة بأسرها.
بين رحيل الراحل وبقاء الإسلام هناك قصة لابد من معرفتها. إنها قصة القرآن ورجل القرآن. الرجل الذي نما إلى سمعه كلمة جلادستون:
«ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به». هذه الكلمات التي تفوه بها وزير المستعمرات البريطاني زلزلت كيان سعيد النورسي، فأعلن لمن حوله: «لأبرهنن للعالم أن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها».
في 1293هـ (1876 م) مع غروب قرن هجري ومطلع قرن جديد، وفي قرية نورس الواقعة في جنوب شرقي تركيا الحالية، ولد سعيد النورسي، فبدأت ملحمة حياته في خدمة القرآن العظيم، وإعادة الحياة والفعل للأمة المسلمة.
سئلت والدته: «ما طريقتك في تربية أولادك حتى حازوا هذا الذكاء النادر؟ أجابت: لم أفارق صلاة التهجد طوال حياتي إلا في الأيام المعذورة شرعًا. ولم أرضع أولادي إلا على طهر ووضوء». أما أبوه فكان يعود من حقله البعيد ببقرتين وثورين، وقد كمم أفواهها. ولما سئل أجاب: «أخشى أن تأكل من حقول الناس، فيطعم أولادي حرامًا». فأين حقوق الطفل يا سماسرة العصر؟
طالب العلوم عندما بلغ الخامسة عشرة أكمل قراءة ما يقرب من ثمانين كتابًا، وقد استوعبها وأُجيز عليها وتسلم الشهادة بإكمالها. كان يقرأ يوميًا ما يقارب مئتي صفحة أو يزيد من متون أمهات الكتب أمثال: جمع الجوامع في أصول الفقه: لتاج الدين عبدالوهاب السبكي (727 ـ 771 هـ). وشرح المواقف في علم الكلام، للعلامة عضد الدين الأيجي المتوفى (756 هـ). وكتاب «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» لابن حجر الهيتمي المكي، وهو شرح (منهاج الطالبين) للإمام النووي الشافعي. وكتاب الإظهار في النحو (شرح على الكافية لابن الحاجب).
ولما أن ذهب إلى مدرسة الملا فتح الله أفندي في سعرد، وامتحن الشيخ مقدرته على القراءة والحفظ، قال: إن اجتماع الذكاء الخارق مع القابلية الخارقة للحفظ في شخص واحد من أندر الأمور.
وكان الملا فتح الله أول من أطلق على الملا سعيد لقب «بديع الزمان»، وصار النورسي منذئذ يلبس زي علماء الدين. ثم شرع فيما بعد في طلب العلوم الحديثة. ثم اجتهد في إجادة اللغة التركية، إذ كانت العربية هي لغته الأم.
في سنة 1314هـ (1897م) ذهب إلى مدينة «وان» وانكب فيها بعمق على دراسة كتب الرياضيات، والفلك، والكيمياء، والفيزياء، والجيولوجيا، والفلسفة والتاريخ، حتى تعمَق فيها إلى درجة التأليف في بعضها.
لقد حصل النورسي من العلوم ما زاده من القرآن قربًا، يقول: «خصص الوالي طاهر باشا غرفة لي في الطابق العلوي من مضيفة بعض قصور الأمراء تشع بالحكمة، فكنت أبيت هناك. وقد حفظت آنذاك ما يقرب من تسعين كتابًا في الحقائق. وكنت أعيد ما حفظته في ذاكرتي ثلاث ساعات يوميًا، فأكمله كل ثلاثة أشهر. فيا إخواني إني أشكر الله كثيرًا على تكراري لتلك المحفوظات، حيث أصبحت وسيلة للعروج إلى حقائق القرآن الكريم. ثم بلغت القرآن الكريم وشاهدت أن كل آية كريمة منه تحيط بالكون إحاطة تامة، وبعد ذلك أغناني القرآن عن غيره».
¥